21 سبتمبر 2025

تسجيل

طوابير الخبز.. وطوابير الحرية

02 ديسمبر 2011

المشهد الانتخابي الكثيف والرائع الذي شاهدناه عبر شاشات التلفزة العربية والعالمية يؤكد لنا عدة حقائق ولعل أولاها أن ثورة 25 يناير في طريقها إلى الانتصار بعد أن نجحت في خلع دكتاتور جثم على صدور المصريين أكثر من ثلاثة عقود ونجحت أيضاً في حرمان هذا الدكتاتور من توريث الحكم لابنه جمال وعصابته الفاسدة. والحقيقة الثانية أن الشعب العربي المصري لا ينام على ضيم ولا ييأس مهما تأخرت ثورته ومهما حاول نظام المخلوع مبارك خنق إرادته أو كبت قوته الكامنة التي ظهرت جلياً في ثورة شعبية أدهشت العالم بأسره شارك فيها كل فئات الشعب العربي المصري. أما الحقيقة الثالثة التي كشفت عنها هذه الانتخابات تلك الصورة الحضارية لهذا الشعب العربي العريق، فقد شاهدنا كيف يقف الناخبون في طوابير طويلة جداً فيها الرجل والمرأة وفيها الشاب والكهل وفيها الغني والفقير وهم في حيوية نادرة وفي سلوك إنساني حضاري رغم طول الانتظار فلم نشاهد الملل أو التعب أو الإرهاق على هؤلاء لأنهم قرروا أن يعطوا للعالم مثل هذه الصورة المشرقة وهذا ينسجم مع حضارة وعراقة مصر العربية. لكن أهم حقيقة كشفت عنها هذه الانتخابات هي عطش الشعب المصري للحرية والديمقراطية فهذا الإقبال الكبير يبرهن كم كان هذا الشعب متلهفاً ومتعطشاً للحرية التي غابت عنه مدة أكثر من ثلاثين عاماً احتكر النظام السابق هذه الحرية لأعضاء حزبه الواحد ومنعها عن الشعب لهذا فإنني اقترح على المحكمة التي تحاكم الرئيس المخلوع وأعوانه الآن أن تضيف إلى قائمة الاتهام تهمة جديدة وهي "سرقة الحرية" عن الشعب وهذه الجريمة لا تقل أهمية عن بقية الجرائم الأخرى فسرقة الحرية وحرمان الشعب منها لا تختلف أبداً عن حرمان الشعب من حقه في الحصول على لقمة العيش وسرقة هذه اللقمة لتذهب إلى أفواه النظام وأعوانه بدلاً من حق الشعب فيها. إن حرمان الشعب من الحرية وسرقة هذه الحرية جريمة يجب أن يعاقب عليها كل من منع الشعب بالذهاب إلى صناديق الاقتراع أو كل من زوًّر هذه الانتخابات أو كل من أفرغ هذه الحرية من مضمونها الحقيقي عندما كنا نشاهد عمليات القمع والتزوير والتلاعب بالانتخابات أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك وفوز حزبه بالأغلبية المطلقة إن لم تكن كل مقاعد حزب الشعب والأمة. إن حق الشعب بالحرية لا يختلف أبدا عن بقية حقوقه الأخرى كالعمل والمأكل وحرية الرأي وحرية المشاركة الشعبية التي هي من مقومات الحياة الطبيعية لأي شعب لهذا فإن حرمان الشعب المصري من هذا الحق مدة طويلة لابد من عقاب الذين حرموا هذا الشعب هذا الحق المقدس.. كما أن حرمان الشعب المصري من حقه بالحرية هو الذي دفع الشعب إلى حافة الفقر والجوع والحرمان لأن شعباً لا يملك حريته لا يملك القدرة على الإنتاج ولا يملك القوة إلى النهضة والتطور والتقدم، وبالتالي يسود الجهل والفقر والبطالة هذا المجتمع لأن الحرية هي مفتاح كل تطور وتقدم لهذا وجدنا في غياب هذه الحرية طبقتين في المجتمع المصري الأولى تلك الطبقة الثرية وهي أقلية والثانية الطبقة الفقيرة المعدمة وهي الأكثرية وهذه الطبقة الفقيرة التي حرمت من حريتها هي التي خرجت لميدان التحرير وهي التي فجرت الثورة وهي التي تعبت من الفساد الذي مص دماءها ساندتها تلك الفئة التي تبحث عن كرامتها وعزتها بعد أن أهدر الرئيس المخلوع وأعوانه هذه الكرامة وهذه العزة بعلاقاته المشبوهة بالغرب والإدارة الأمريكية والعدو الصهيوني. في النظام السابق وفي عهد الرئيس المخلوع ونظراً لغياب الحرية والكرامة وغياب التنمية نتيجة هذه الدكتاتورية كنا نشاهد تلك الطوابير الغفيرة وهي تقف أمام المخابز وهي تنتظر رغيف الخبز. بالأمس تذكرت هذه الطوابير عندما شاهدنا طوابير الحرية التي خرجت إلى صناديق الاقتراع لكي تحقق حياة حرة كريمة متطورة مزدهرة تحقق العدالة لكل الشعب عندها ستختفي طوابير الخبز.. لأن طوابير الحرية ستقضي على الفساد وعلى الظلم والقهر وتحقق العدالة.