12 سبتمبر 2025

تسجيل

هكذا رفعت الجزيرة الإعلام العربي إلى فضاء العالم

02 نوفمبر 2020

عندما انطلقت الجزيرة قبل 24 عاما كان الاعلام العربي في غفوة عن ثورة الاعلام التي كانت تغزو العالم، وكانت الفضائيات الموجودة مشغولة بأعمال الدراما والترفيه والأخبار المعلبة، ولم يكن الإعلام المستقل حاضرا في المشهد كما هو اليوم، وكانت التلفزيونات آنذاك حكومية أو شبه حكومية أو تجارية، وبطبيعة الحال فإن الإعلام العربي بمجمله كان مسيطرا عليه من أنظمة بادت وأنظمة سادت وما زالت. جرأة الجزيرة أنها انطلقت كمحطة إخبارية عربية في زمن كان المشاهد العربي مأخوذا بالمسلسلات المكسيكية المدبلجة الى العربية والبرامج الترفيهية، وكان الجميع يراهن على فشلها، إذ كيف يمكن لمحطة لا تبث سوى الأخبار والبرامج الإخبارية أن تستقطب المشاهد؟، وكيف يمكن لقناة تبث من قلب الخليج أن تقدم خبرا متحررا من كل القيود السياسية ولا يخضع سوى للمعيار المهني في نقل الحقيقة المجردة؟. لكن الجزيزة اجتازت كل التحديات بجدارة وراكمت النجاح تلو النجاح حتى أبهرت الجميع، وتمكنت من استقطاب رقم قياسي من المشاهدين على امتداد الوطن العربي والعالم. دشنت الجزيرة بفرادتها مفهوما جديدا للمؤسسة الإعلامية المستقلة والمتكاملة والمتفاعلة مع متطلبات العصر واحتياجات الجمهور، ولذلك تحولت الجزيرة في زمن قياسي من قناة إخبارية إلى شبكة متعددة القنوات أبرزها الإنجليزية والوثائقية والمباشر، الى جانب مؤسسات متعددة منها معهد الجزيرة للاعلام ومراكز الدراسات والمؤتمرات، وتمكنت من الحضور في جميع انحاء العالم، كما أدرجت ضمن القنوات القليلة التي يتابعها الرؤساء وصناع القرار في العالم مما جعلها النموذج والقدوة التي يتنافس الآخرون على تقليدها لكنهم يعجزون عن اللحاق بها. هذا الانتشار والحضور الإعلامي غير المسبوق جعلا الجزيرة مستهدفة عربيا وإقليميا وعالميا، فلم ينحصر دورها بأسبقية نقل الاخبار والوقائع الميدانية في كل المناطق الساخنة بل أصبحت المؤسسة الإعلامية المؤثرة في صناعة الرأي العام والفاعلة في المشهد السياسي. ولذلك لم يكن مستغربا أن تستهدف مكاتبها بالقصف والإغلاق، وأن يستهدف العاملون فيها بالقتل والاعتقال والتعرض الأخلاقي والمعنوي عبر جيوش الذباب الالكتروني، كما لم يكن مستغربا أن المطالبة بإقفالها شرط لفك الحصار عن قطر. دفعت الجزيرة ثمنا باهظا لانحيازها للشعوب العربية والتزامها المبدئي والأخلاقي بنصرة جميع القضايا المحقة والعادلة، لم تدفعها كل الضغوط التي مورست عليها للتراجع عن خياراتها وإعادة التموضع، بل ازدادت التزاما بمبادئها وقيمها، مما رفع رصيد مصداقيتها لدى جميع المشاهدين وخصوصا في دول الحصار. نجاح الجزيرة وحضورها الساطع في المشهد السياسي لم يشغلها عن متابعة مسيرة التطور الإعلامي لجهة جودة المحتوى، حيث فاجأت الجميع بنقلة نوعية في دورتها البرامجية مما مكنها من استقطاب مزيد من شرائح المشاهدين، فقدمت لفتة مميزة نحو جمهور المثقفين عبر باقة من البرامج الراقية والغنية بمضمونها ومحتواها مثل: المشاء وتأملات وخارج النص والسينما. وقد جاءت هذه البرامج لتعيد للصحافة الثقافية قيمتها، بعدما تراجع حضورها في معظم وسائل الاعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية. وواصلت الجزيرة تميزها في الصحافة الاستقصائية وقدمت نموذجين أصبحا قدوة في العمل الاستقصائي وهما: "ما خفي أعظم" الذي كشف عن مهارة وجدارة للزميل تامر المسحال، الذي استطاع ان يقدم عملا احترافيا غير مسبوق في الفضائيات العربية مما أعطى للبرنامج طاقة جذب مدهشة استقطبت أرقاما قياسية من المشاهدين، وهناك برنامج "المسافة صفر" الذي برعت في تقديمه الزميلة سلام هنداوي. وفي برامجها السياسية استطاعت الجزيرة أن تدشن باقة مميزة كسرت رتابة القوالب الجاهزة والمعتادة في الفضائيات العربية، حيث انفردت ببرنامج سباق الاخبار وهو تفاعلي يواكب الاعلام الجديد (تويتر وفيس بوك)، ويجعل الجمهور جزءا من الحدث. فيما سطع برنامج "ما وراء الخبر" الذي يثري معرفة المشاهد بخلفيات الاحداث في ظل الأسلوب المميز والذي يجب أن يدرس للزميلة غادة عويس في إدارة الحوار مع الضيوف. وانفرد برنامج "سيناريوهات" بنشر ثقافة القراءة التحليلية للاحداث من زوايا مختلفة مما يضفي تشويقا لدى المشاهدين، فضلا عن الأسلوب الراقي والاحترافي للزميل محمد كريشان الذي يقوم على احترام عقول المشاهدين. فيما اكتسب برنامج "الحصاد" رصيدا كبيرا لدى الجمهور بحضور مميز للزميل حسن جمول، وكذلك برنامجا "بلا حدود" و"لقاء خاص" اللذان برع في تقديمها الزميل جلال شهدا، كما يجدر التنويه ببرنامج "للقصة بقية" للزميلة فيروز الزياني، فيما يبقى "الاتجاه المعاكس" القديم المتجدد. في موازاة السياسة لم تغب قضايا المجتمع والعلوم والمنوعات عبر برامج "هذا الصباح" و"المرصد" و"حياة ذكية" و"المسافر" وصولا الى برنامج "فوق السلطة" الذي دشنت فيه الجزيرة أول اعمالها لبرامج النقد السياسي الساخر بأسلوب الكوميديا السوداء الذي برع الزميل نزيه الأحدب بتقديمه بمهارة جعلته في صدارة البرامج التي تستقطب المشاهدين. في الذكرى الرابعة والعشرين لتأسيس الجزيرة لابد من التنويه بنقطة جوهرية تعتبر من أهم أسباب نجاح وتألق الجزيرة، وهي بيئة العمل النموذجية في الجزيرة، والتي تتوفر فيها المعايير المهنية لتقييم العاملين، فضلا عن توفير الرواتب والمزايا التي تجعل إعلامييها مكتفين وفي حصانة متينة عن كل محاولات الجذب والاغراء التي تقدمها جهات سياسية إقليمية وعالمية، لجعل الإعلامي بوقا وأداة تعمل وفقا لاجندة محددة الأهداف، وهي ظاهرة منتشرة في كثير من فضائيات الوطن العربي. وبذلك تنفرد الجزيرة بأنها خالية من الأبواق، حيث الولاء والوفاء للجزيرة من جميع العاملين والانتماء لها خيار وقناعة والتزام. لقد أحدثت الجزيرة فتحا مبينا في فضاء الاعلام العربي وارتقت به الى العالمية، واستطاعت ان تحافظ على ريادتها وصدارتها للمشهد الإعلامي فيما باءت بالفشل جميع محاولات اللحاق بها.