03 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تجاوز شمال لبنان خلال الأسابيع الماضية قطوعاً أمنياً كاد يعيد عقارب الساعة عقوداً إلى الوراء، إلى سنوات الحرب اللبنانية، فأحياء مدينة طرابلس وبعض المناطق المحيطة بها تحوّلت إلى ساحة حرب حقيقية، طرفاها الجيش اللبناني ومسلحين وصفتهم البيانات الرسمية الصادرة عن قيادة الجيش بـ"الإرهابيين".بدأت المعارك دون سابق إنذار ودون معرفة الأسباب، وكذلك انتهت. قيادة الجيش أكدت أنها لن توقف حملتها العسكرية قبل القضاء على المسلحين، باعتقالهم أو بقتلهم، لكن المعارك انتهت، ولم يُعرف عدد القتلى أو الموقوفين من المسلحين، في ظل تواتر معلومات أن معظمهم نجح بالتواري والاختباء، رغم أن الجيش استخدم في معركته مروحياته العسكرية، وكان يراقب كل ما يجري على الأرض، إضافة لجهود مخبريه.هل قضى الجيش اللبناني على المسلحين بالقتل أو الاعتقال، أم أنهم نجحوا بالفرار والاختباء؟ في حال فرارهم، أين اختبأوا وما هي المناطق التي لجأوا إليها؟ لماذا لا يواصل الجيش ملاحقتهم؟ ما حقيقة الحديث عن تسوية غير معلنة قضت بوقف المعارك مقابل انسحاب المسلحين واختبائهم؟ ما هي ضمانات عدم تكرار ما حصل؟ أسئلة كثيرة تتردد على ألسنة اللبنانيين ولا يجدون أجوبة مقنعة عليها.المواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة طرابلس وبعض قرى عكار لم تكن مفاجئة، فقد سبقتها تسريبات لتقارير أمنية نشرتها بعض وسائل الإعلام، تفيد أن تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة يخططون للسيطرة على بعض مناطق الشمال، وتحديداً في أقضية طرابلس والضنية وعكار. ساند هذه التقارير تصريح لقائد الجيش كشف فيه أن التنظيمات "التكفيرية" تسعى للتمدد في لبنان باتجاه البحر للحصول على منفذ بحري لها. لنتفاجأ بعدها بأيام بحملة عسكرية نفذها الجيش اللبناني في بعض قرى الشمال، اعتقل خلالها أفراداً قال إنهم "خلايا نائمة" ينتمون لداعش والنصرة، وأنهم كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية وتفجيرات، وأن الجيش نجح في استباق هذا المخطط وإفشال ما كان يُحضّر.سواء كانت هذه المعلومات حقيقية أم من نسج الخيال، فإن ذلك لا ينفي أن على اللبنانيين إعلان الاستنفار، والاستعداد لجميع الاحتمالات.أوّل هذه الاستعدادات وأهمّها يكون بتحصين البيت الداخلي، وإعلان جميع الأطراف على اختلافهم موقفاً موحداً بوجوب مواجهة أي مخطط لسيطرة الجماعات الإرهابية على أي منطقة في لبنان. فالوضع دقيق وحساس، ولا يحتمل الحياد، والصمت من جانب بعض الشخصيات والعلماء لم يعد مقبولاً. ربما ظلمت السلطات فريقاً من اللبنانيين وتتغاضى عن ارتكابات آخرين. لكن هذا شيء، والجلوس على مقاعد المتفرجين لمتابعة مخطط إرهابي يُحاك لابتلاع لبنان، ولضرب صيغة العيش المشترك التي ارتضاها أبناؤه شيء آخر.فالمطلوب من اللبنانيين اليوم أكثر من أي وقت مضى التوحّد والتماسك والتكاتف والتعاون لإفشال أي محاولة لضرب أمن واستقرار بلدهم، وإدراك أن الخطر المحدق بهم لا يستقيم معه أي اختلاف أو فرقة، وأن غرق فريق منهم يعني غرق السفينة بالجميع.هذا الواجب مطلوب من اللبنانيين، ومطلوب أيضاً من السلطة اللبنانية لاسيَّما المؤسسة العسكرية. فالتضامن اللبناني في مساندة الجيش ودعمه لم يعد مطلباً سياسياً وإعلامياً، بل حاجة ضرورية وأساسية لمواجهة الأخطار التي تتهدد لبنان. لكن - بكل أسف- هذا التضامن متعذر في الوقت الحالي، وهو ما يجدر بالمؤسسة العسكرية المسارعة لتداركه، ليس فقط حرصاً على مصلحة لبنان، بل أيضاً للحرص على مصلحة المؤسسة نفسها، وتجنيباً لصفوفها من أي تضعضع أو تململ أو انشقاق، وهو ما شهدناه في الأسابيع الماضية. جميع اللبنانيين سيقفون وراء جيشهم حين يكون صارماً في تطبيق القانون في جميع المناطق، دون تمييز بين منطقة وأخرى، ودون تفرقة بين طرف وآخر. فلا يصح أن يمسك بتلابيب الأمن في مكان، ويترك هذه التلابيب تلهو وتلعب في مكان آخر.جميع اللبنانيين يجب أن يعتبروا جيشهم خطاً أحمر من غير المسموح الإساءة إليه أو النيل من هيبة عناصره. لكن على الجيش بالمقابل أن يحرص على هذه الهيبة وأن يحافظ عليها. فالناس ليسوا أغبياء ولا عميان، ولا يمكن أن نتحدث عن هيبة المؤسسة العسكرية حين يرى اللبنانيون قوافل المسلحين من عناصر حزب الله تمر على حواجز الجيش وتحت أنظار مخابراته وهم في طريقهم للقتال في سوريا. على جميع اللبنانيين مساندة الجيش ودعمه حين يقوم بواجبه الموكل إليه بحفظ الأمن والاستقرار، فالمؤسسة العسكرية طبقاً للقانون تخضع للسلطة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء ولا تعلو عليها، وواجب الجيش أن ينفذ توجهات هذه السلطة، لا أن ينفذ توجهات خاصة به بعيداً عن قرار السلطة السياسية.