15 سبتمبر 2025

تسجيل

العلاقة الإستراتيجية بين «النداء» و«النهضة»

02 أكتوبر 2015

أجرت قناة «نسمة» الفضائية ليلة الثلاثاء 22 سبتمبر الماضي، حوارًا مع رئيس الجمهورية التونسية السيد الباجي قائد السبسي، تناول فيه موضوع العلاقة بين حزب «نداء تونس» وحزب «النهضة» الإسلامي، كما أجرت قناة «الجزيرة مباشر» في الوقت عينه حوارًا مع الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب «النهضة»، ويلمس المتابع السياسي للحوارين المنفصلين الأخيرين، مدى انسجام المواقف بين «الشيخين»، لاسيَّما فيما يتعلق بطبيعة هذه العلاقة بين الحزبين الحاكمين، وشروط تواصل قيامها وتطورها في المستقبل، في ظل واقع الجمهورية الثانية ما بعد الثورة، أي الجمهورية البرلمانية التي يتقاسم فيها رئيسها (قائد السبسي) صلاحيات السلطة التنفيذية مع رئيس الحكومة الحبيب الصيد، مع الملاحظة أن الثاني يقف خلف الأول وينصت إليه بانتباه كلما اجتمعا رسميًا، كما تابعنا الأول وهو يتجاوز صلاحياته الدستورية، فهو تارة يدعو رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس اتحاد الشغل ورئيسة اتحاد الأعراف إلى قصر قرطاج ليملي عليهم نصائحه وتوجيهاته، في نطاق النزعة التماثلية مع ما كان يقون به الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في عهد الجمهورية الأولى، حيث كان يمارس نزعة الأبوة على الشعب التونسي. كما كشف الشيخ راشد الغنوشي خلال حواره مع «الجزيرة مباشر» أنه لا خلاف في صلب الائتلاف الحاكم (أحزاب «النداء» و«النهضة» و«الاتحاد الوطني الحر» و«آفاق تونس» بقيادة رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد) نفس الموقف عبر عنه الرئيس الباجي قائد السبسي أثناء ظهوره على قناة «نسمة»، عندما أرجع التعيينات المعلنة إلى حرية اختيار رئيس الحكومة ليرد بذلك قائد السبسي على منتقديه من داخل «النداء »الذين اعتبروا في وقت سابق أن القائمات المعلنة بخصوص حركة الولاة والمعتمدين الأول كانت بتدخل مباشر من الرئيس ونجله حافظ قائد السبسي. لقد أصبح الرئيس الباجي قائد السبسي يتباحث مع الشيخ راشد الغنوشي في كل كبيرة وصغيرة، وأصبح التشاور بينهما عنواناً للمرحلة السياسية التوافقية.. ولكن أهم ما يمكن أن يقرّبهما، أو يجمع بينهما، ويجعل منهما شبه حليفين رغم الخصومة التاريخية بينهما، هما أمران في غاية الأهمية، ولا يدرك معناهما إلا من خبر السياسة مثل رئيس النداء ورئيس الحركة. فالرجلان اليوم ورغم ما يُقالُ عن خلافاتهما التي تخبو حيناً وتتصاعد أحياناً، هما من يرسم سياسة تونس، شئنا أم أبينا، بل هما من يصنعان المحراك لكل الأحداث التي جرت وتجري في البلاد منذ الثورة إلى الآن، وحتى في زمن صعود بعض نجوم السياسة الآخرين على الركح، فقد كان الغنوشي والباجي هما من يدفعان من خلف الستار أو يجذبان من وراء الكواليس. كما أن ما يجمعهما أكثر بكثير مما يفرقهما، فالرجلان قد يختلفان في المنطلقات الأيديولوجية والفكرية والسياسية لكل منهما، وقد يختلفان أيضاً في التكوين العلمي والشخصية الاجتماعية والجذور القبلية والجهوية والطبقية، لكنهما بالتأكيد يلتقيان فيما يخص الراهن اليومي للسياسة التونسية منذ لقاء باريس وإلى اليوم. إنّ الباجي قائد السبسي، رئيس الحزب الأغلبي، لم يكن بمقدوره أن يحكم وحده، والشيخ راشد الغنوشي، رئيس الحركة الثانية لم يكن بمقدوره أن يبقى خارج الحكم. وبالتالي فالنقيضان تقابلا تحت إكراهات الحكم، وحكم الأمر الواقع، وواقع المشهد السياسي الذي لخبطت هزيمة التكتل والشابي والمرزوقي كل أوراقه، وفرضت على الشيخين إعادة الحسابات كل من ناحيته، فأفرز الفرز صياغة مشهد سياسي لا يجوع فيه الذئب ولا يشتكي الراعي. فوضع الشيخ راشد الغنوشي اليوم كزعيم مبجل مكرّم في البلاد، وكشريك في الحكم، وكشخصية وطنية ودولية، جعلت الرئيس الباجي قائد السبسي يفضل التعاطي معه على غيره من الشركاء حتى وإن كانوا بنسبة أكبر من الحقائب الوزارية، بل فيهم من لم يقابلهم منذ اقتسام المناصب في وزارة الحبيب الصيد. لكنه يتعامل مع الشيخ راشد الغنوشي بشكل شبه يومي تقريباً. وفي حواره الأخير مع قناة «نسمة»، أكد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي طبيعة العلاقة الإستراتيجية بين «النهضة» و«النداء»، عندما فهم المتابعون من كلامه أن العلاقة هذه أصبحت الآن ذات طبيعة إستراتيجية أي من ثوابت الواقع السياسي التونسي، ولم تعد مجرد تحالف تكتيكي بين طرفين سينتهي بانتهاء المرحلة أي بانتهاء ما بقي من الفترة الحالية التي تمثل امتدادا للمرحلة الانتقالية. ويُفهم من كلام قائد السبسي أن «النهضة» على شكلها الحالي أصبحت شريكًا بارزًا في الحياة السياسية ولم يعد هناك أي موجب لإقصائها، لكن كل ذلك مرتبط بشروط لمّح إليها قائد السبسي أيضا وهي التزامها بثوابت النظام الجمهوري وبمدنية الدولة وبشروط وقيم الوحدة الوطنية التي أصبحت المنقذ الوحيد لتونس وميزتها الأساسية مقارنة ببعض الدول الأخرى والقطع مع كل ما من شأنه تعكير صفو التعايش السلمي بين مختلف التونسيين ومع كل أشكال التشدد والتطرف وفق الثوابت التي رسمها الدستور وهي حرية الضمير والمعتقد والدين. ومن الواضح أن النهضة قد فهمت جيّدا «قانون» هذه الشراكة الإستراتيجية المرشحة للدوام وهو ما يتضح من التصريحات الأخيرة لزعيمها راشد الغنوشي حول الموقف من الوضع في سوريا ولاسيَّما حول قانون المصالحة وموقفه من تحركات المعارضة التي وصفها بـ«الفوضوية» عندما خرجت للشارع.