13 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمير في الأمم المتحدة (5–5).. قطر .. مسيرة ناجحة في الوساطات ومنبر دولي للحوار

02 أكتوبر 2014

بدأت سلسلة مقالاتي التي حملت عنوان "الأمير في الأمم المتحدة" بمقال عن تنظيم قطر لكأس العالم في 2022، ومشروعية هذا الحق، وأحقية قطر كبلد عربي مسلم أن يستضيف هذا الحدث، وهو ما أكد عليه سمو الأمير المفدى في حواره مع شبكة "سي إن إن"، والذي أشار خلاله إلى أن هناك البعض لا يريد أن يتقبل أن بلداً صغيراً مسلماً عربياً يمكنه تنظيم حدث بهذا الحجم، مؤكداً سموه الثقة بقدرة قطر على استضافة الحدث بشكل ممتاز.. واليوم اختم هذه السلسلة بحديث سمو الأمير المفدى في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتأكيد على مواصلة السياسة القطرية بشأن الحوار والمضي قدما بسياسة حل النزاعات، وفي هذا الصدد يقول سمو الأمير المفدى "سوف تواصل قطر سياستها في توفير فضاء للحوار في مناطق الصراع وفي التوسط بين الاطراف المختلفة، لاننا نؤمن بحل النزاعات بالطرق السلمية، ولاننا ارسينا تقاليد في الوساطة السلمية، وسوف نواصل توفير منبر لحوار التيارات السياسية والثقافات والديانات". وفي موضع آخر يقول سموه خلال حواره مع شبكة "سي ان ان" الاميركية "نحن نؤمن بالسلام، ونحن وسطاء ونجحنا في مواقع مختلفة". خلال السنوات الماضية وبفضل حكمة وحنكة سمو الأمير الوالد، استطاعت قطر أن تلعب أدواراً مؤثرة على صعيد السلام والأمن بمنطقة هي الأكثر اضطراباً في العالم، وهي منطقة الشرق الأوسط، وأن تقود مبادرات نوعية على صعيد الوساطات، وأن تحقق نجاحات ربما في بعض الملفات لم تكن متوقعة، إلا انها استطاعت أن تخترق ملفات ظلت تراوح مكانها لفترات طويلة، وربما اتفاق الدوحة في الشأن اللبناني في 2008 خير شاهد، عندما وصلت الأمور بين الفرقاء اللبنانيين إلى مرحلة "التأزم"، ودخلت على اثرها لبنان نفقاً مظلماً، ولم تستطع كل الوساطات أن تخترق هذا الانسداد، إلى أن جاءت حكمة سمو الأمير الوالد ليحقق فتحاً في الأزمة اللبنانية، ويتم على اثرها انتخاب الرئيس ومن ثم انتخابات برلمانية، ثم تشكيل الحكومة. واستمرت قطر في قيادة مبادرات على صعيد الوساطات الناجحة، إن كان ذلك في ملف المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، أو في ملف دارفور، الذي هو الآخر كان ملفا شائكا، إلا أن الجهد القطري حقق نجاحاً من خلال جمع الفصائل المؤثرة في أزمة دارفور مع الحكومة السودانية، وأسفر هذا الجهد عن توقيع وثيقة الدوحة، التي تمثل اليوم ركيزة للسلام في دارفور. إضافة إلى ذلك حملت المساعي القطرية رسائل سلام في آسيا وافريقيا والعالم العربي، ونزعت في كثير من الاحيان فتيل حروب كادت ان تقضي على الاخضر واليابس. واستمر هذا النهج يمضي قدماً في عهد سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد توليه الحكم ، حيث سجل سموه نجاحات بارعة في مواقع حساسة، خاصة على الصعيد الانساني، والوساطة الانسانية التي قامت بها قطر طوال الأشهر الماضية كانت مؤثرة، ورسّخت الدور القطري، الذي استثمرته القيادة في قطر من أجل انسانية الانسان، بعيداً عن ظروف أخرى. ظهر ذلك جلياً في أكثر من ملف، خاصة في اطلاق الرهائن والمحتجزين والمختطفين في اكثر من مكان، كان من بين ذلك نجاح الوساطة الانسانية القطرية لاطلاق راهبات معلولة في سوريا، والطيارين الاتراك الذين اختطفا في لبنان، واطلاق مختطفين ايرانيين عند فصائل سورية، ومختطفي اعزاز، ومؤخرا جنود الامم المتحدة للسلام الفيجيين ، الذين تمكنت قطر من التوسط لاطلاق سراحهم. وفي العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ظهر بوضوح الثقل الذي تمثله قطر، فموقفها الداعم للمقاومة لم يمنع من أن تكون قِبلة يقصدها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إضافة إلى مسؤولين ورموز سياسية دولية، للطلب منها لوضع ثقلها لإيجاد حل ووقف العدوان الإسرائيلي. ثم لتدعى إلى اجتماع باريس لوقف الحرب على غزة الذي حضرته أطراف أوروبية وأميركا وتركيا وقطر، ولتكون بذلك الدولة العربية الوحيدة التي حضرت هذا الاجتماع الهام. كما استطاعت قطر أن تكون وسيطاً بين الولايات المتحدة الأميركية وطالبان، حيث تمكنت من التوفيق بين الجانبين لاطلاق أسير أميركي عند طالبان، في مقابل اطلاق خمسة من معتقلي طالبان في معسكر جوانتانامو. ربما ما تميزت به الوساطات القطرية أنها كانت تدير الملفات بهدوء تام، وصبر كبير، ونفس طويل، والتمكن من السيطرة على عدم تسرب أي من الأخبار قبل الوصول إلى بر الأمان، فعلى سبيل المثال تبادل الأسرى والمعتقلين بين أميركا وطالبان شكّل عنصر مفاجأة كبير للمراقبين بأن تتمكن قطر من التوسط بين الجانبين، وايصال الوساطة إلى بر الأمان دون أن تتسرب كلمة واحدة طوال المفاوضات التي استمرت سنوات باعتقادي. كما تميزت المبادرات القطرية بقدرتها على تفكيك الأزمات بذكاء، والتعامل مع كل جزء منها على حدة، من أجل ايجاد الحلول المناسبة لها، فباتت قطر اليوم قِبلة لكل من لديه ملفات شائكة تريد حلاً، فعرفت بوساطات ناجحة. والأمر الآخر أن قطر لم تكن تهدف لمصالح شخصية في مساعيها الانسانية، بقدر ما كانت تعمل لاحلال السلام والأمن بين جميع الأطراف، وهو ما جعلها محل ثقة الجميع. ما جعل قطر تحقق نجاحات منقطعة النظير في مجال الوساطات وحل النزاعات بالطرق السلمية، كونها وسيطاً نزيهاً، يعمل مع الجميع على مسافة واحدة، ليست لديه أجندات خاصة، ولا ينتظر تحقيق مآرب شخصية، أو يسعى لتمكين نفسه في المكان الذي يتوسط فيه ، بل تجد قطر تنسحب بهدوء بعد ان تنجز مهمتها. هذا الأمر جعلها محل ثقة الدول والمنظمات وفصائل مختلفة، وأصبحت طلبات الوساطات تنهمر على قطر، وباتت وفود دول عدة تتزاحم عند باب قطر، طلباً لجهد قطري لحل صراعات مختلفة، والسعي لنزع فتيل أزمات في مناطق شتى. بالتوازي مع هذا المسار الذي حققت فيه قطر نجاحات متعددة، كان هناك مسار آخر أيضاً تميزت به قطر، وسجلت حضوراً بارزاً، ألا وهو الحوار والنقاش، والتحول إلى منبر دولي يلتقي من خلاله الجميع ليتحاوروا حول مختلف القضايا، فلا تكاد تخلو الدوحة في الأسبوع من مؤتمر هنا، أو اجتماع هناك، أو ندوة مميزة تسلط الضوء على قضية حيوية، ففي العام الحالي بلغ عدد الفعاليات التي استضافتها الدوحة 182 فعالية، عدا المؤتمرات الطارئة التي يتم استضافتها، فباتت الدوحة تمتلك رصيداً كبيراً في تنظيم المؤتمرات والفعاليات المختلفة ، ولو قبلها بـ "24" ساعة. وقبلها كانت قطر قد حرّكت المياه الراكدة في الإعلام العربي باطلاقها لقناة الجزيرة الفضائية، التي تمثل نقلة نوعية، وأتاحت للإنسان العربي مُتنفساً حقيقياً للتعبير عن رأيه بكل حرية، وفتحت أمامه المجال ليقول ما يؤمن به لا ما تؤمن به الأنظمة. وبالرغم مما شكلته هذه الخطوة من ضغوط كبيرة على قطر، من قِبل دول عربية عديدة، وصل إلى سحب السفراء ولا يزال وقطع العلاقات الدبلوماسية، إلا أن قطر وقيادتها تحملت كل هذه الضغوط لإيمانها بحق المواطن العربي في الحصول على المعلومة، ونقل ما يدور في الفضاء العربي بكل شفافية، وأتاحت الفرصة أمامه ليُعبّر عن رأيه. خطوات قطر كانت جادة نحو إصلاح الوضع العربي المُتردي، لذلك رأينا مساعيها "لاطفاء" الحرائق التي تشتعل في أركان البيت العربي، وإخماد أي فتنة تطفو إلى السطح، ونجحت في أماكن عديدة، وقدمت نموذجاً في الإصلاح وقيادة وساطات وتبنّي مبادرات.. الحرص الشديد من القيادة القطرية على معالجة الأوضاع العربية كان واضحاً، وخطابات سمو الأمير الوالد، حفظه الله، ثم سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى كان فيها من الطرق المباشرة والمصارحة حيال كل الملفات الشيء الكثير. لم تكن قطر تتحدث فقط، بل كانت تقرن أقوالها بأفعال تُترجم على الأرض، إن كان ذلك على صعيد تقديم الدعم لقضايا الأمة، أو تنفيذ التزاماتها، أو في جهودها الإنسانية، إضافة إلى أنها كانت تتحدث بشفافية، وتعلن مواقفها بكل صراحة، حتى مع الأطراف الذين تختلف معهم في وجهات النظر، وهذا أمر يُحسب للقيادة القطرية أنها تجعل المواطن العربي يعيش واقعه بكل تفاصيله. هذه المواقف التي سجلتها قطر، حظيت من خلالها بمصداقية عالية لدى جميع الأطراف، وأصبح الجميع يؤمن أن قطر تتعامل بموضوعية وشفافية ونوايا مخلصة من أجل إحلال السلام، وتحمل صدقاً في مساعيها، وتقف على مسافة واحدة بين الجميع، وليس لديها أي حسابات أو أجندات. هذا النموذج الفريد الذي استطاعت أن تحققه قطر بفضل حكمة وحنكة قيادتها، والبراعة في ممارسة سياسة خارجية متوازنة، جعلها تحظى بهذه الثقة الكبيرة عالمياً. سمو الأمير المفدى حفظه الله يكمل اليوم ما بدأه سمو الأمير الوالد حفظه الله ورعاه، فتلك الركائز التي غرسها سمو الأمير الوالد، يبني عليها سمو الأمير المفدى، مواصلاً المسيرة والنهج. حفظ الله قطر، وحفظ قيادتها الحكيمة، وأدام عليها الأمن والأمان والاستقرار.. وحفظها بكنفه، ورعاها برعايته في الليل والنهار.