08 أكتوبر 2025
تسجيلعندما حلت التقنية محل الحرفيين هذه كانت نقطة التحول من عالم يحكمه العمل اليدوي إلى عالم يعتمد على التقنية من أجل الحصول على حاجاته. في تلك اللحظة التي تمكنت فيها الآلات من نسخ مهارات الحرفيين أصبحت الإنسانية في حل من احتكار أفراد للسوق. وكما تقدمت التقنية وعمليات التصنيع كلما توفرة السلع بأسعار زهيدة. ولو ظل الحرفيون هم من ينتج تلك السلع لكانت الأسعار لا تحتمل اليوم. ومن هنا تكونت شراكة رأس المال والتقنية في توفير كل ما تحتاج الإنسانية من سلع ومنتجات. وغزت التقنية كل مجالات الحياة ومازالت تفعل. ولم يعد الحرفي يتحكم في السوق، بل أصبح السوق هو من يتحكم فيه. فوضعته في زاوية لمزاولة حرفته ولكن كعمل تقليدي يتم الاحتفال به. هذا التحول فتح الأفق أمام عصر التصنيع. ففتحة المصانع وتغيرت أوضاع الناس. فبعد أن كانوا يخدمون في المزارع وفي الإقطاعيات وفي نظام السخرة. أصبح الإنسان قادرا على العمل في المصانع. وتحول سكان الأرياف إلى المدن. وأخذت المدن مكانة لم تكن قادرة على القيام بها في السابق. وهكذا بدأت شرارت التطور وتحديث وتحسين الإنتاج مما دفع أصحاب المصانع لتكوين إدارات لتطوير التقنيات وتحسين الإنتاج. وكذلك تطوير وتحسين إجراءات العمل. وهكذا يوما بعد يوم يتم إنتاج أو ابتكار منتج جديد أو عملية جديدة. أو فكرة إدارة جديدة. وأخذت التطورات تتسارع. وكلما انتشرت فكرة التصنيع ودخلت مجاميع جديدة لقطاع التصنيع كلما تسارعت وتيرة التطور. وبعد ذلك دخلت الدول في تنافس على عمليات التصنيع ومن ثم مدخلات التصنيع. فنشأت الشركات الاستعمارية وسخرت بلدان تحت الاستعمار وتحت مفهوم تمكين الشركات والاقتصادات للنمو والتطور. والحصول على الموارد الطبيعية التي تحتاجها عمليات التصنيع. وتيقنت تلك الدول الاستعمارية أن أسواقها لم تعد تكفي. فسخرت أسواق المستعمرات. وهكذا انتقلت الإنسانية من عصر الإقطاع إلى عصر التصنيع وتبعاته. فما تبع التصنيع من الحاجة لرأس المال ولد الرأسمالية. فالحاجة لرأس المال أصبحت ملحة ولا تعتمد على الأراضي والإقطاع. بل أصبح المصنع وصاحب الخبرة في إدارة المصانع والطلب من الأسواق هو صاحب المكانة. فاختفى عالم وولد عالم الرأسمال، الذي تحرر من الإقطاع وأصبح الجميع يسعى لرضى أصحاب المال. فكل مشروع لا بد له من رأسمال. فأخذت الرأسمالية في التوسع والمدد. وأخذ تشكل المجتمع وتكون طبقاته. ولكن وهذا رأي أن الرأسمالية كما سبق الحديث، هي وليدة التقنيات وتقدمها والتحول إلى التصنيع بدل الإقطاع. ولم تنظر الإنسانية إلى الوراء منذ ذلك الحين. ولا نعلم كيف سيقوم التقدم التقني اليوم بتحوير العالم. وهذه التحولات تواكب كل تطور. وكل قفزه تقنية. فالعالم يتشكل من جديد تحت ضربات التقنيات الحديثة. فشركات الموسيقى لم تعد تتحكم في إنتاج الموسيقى. بل يستطيع الفرد اليوم وبدون وجود فرقة أو شركة او تمويل أو تسويق وعلى الشبكة المتلوماتية يكون قادرا على بيع وعرض وخلق الموسيقى التي يريدها دون خدمات شركات الموسيقى. وتقنيات اليوم القادمة سوف تلغي المصانع القليدية كما نعرفها اليوم. فالطباعة ثلاثية الأبعاد ستكون قادرة على طباعة كل ما يصبو له الإنسان في منزله. ولذلك فإن التقنية هي المحرك الحقيقي لكل التحولات في المجتمعات. وهي من يحدد تركيبة المجتمعات وطرق تواصلها. وتحدد بنى تلك المجتمعات وإن كنا نرى أن هناك أسبابا أخرى. ولكن من يرى تاريخ تطور التقنيات والتحولات المصاحبة لها يرى أن التقنيات هي في جوهر التغير. أنا أقول هنا إن التقنية هي من ولد التغيرات التحولات في المجتمعات الإنسانية. ومن يرى كيف أن الجيوش في الماضي كانت تنتصر من خلال اختراع سلاح لا يستطيع العدو مقارعته. واليوم أمريكا عندما تستخدم أسلحتها الحديثة هي تستخدم التقنية لإخضاع العالم . وهكذا هي التقنية الحاضنة الحقيقية للرأسمالية وبذلك هي من أخرج الشيوعية كرد فعل على الرأسمالية. وتطور الإنسانية مرهون بالتقنية من سدود إلى زراعة إلى طب إلى تعليم. وأثرت التقنية على الإنسانية ومدى التحولات فيها وكيفية تكونها في تعاظم مع مرور الوقت، بل وفي تسارع لا يقف عند حد.