10 سبتمبر 2025

تسجيل

مشاهد من الرحلة الأخيرة

02 سبتمبر 2020

المشهد الأول: هذا الزائر الغريب لا يحط سوى في الغفلة. لا يستأذن احداً في موعد حضوره. فجأة وعلى حين غرة يحط رحاله. يخطف منا الاحبة. ومع هذا فإنه يملك من الرهبة ما يجعل الانسان مجبوراً على الصمت.. هذا الزائر لا يعرف التفرقة بين الكائن الاضعف.. يتساوى لديه الطفل والكهل.. ذات صباح حدد موعداً للقاء مع "ابا علي" كي يخطف منه والده "علي الآخر" وجعل "ابا علي" يطرح على ذاته كل الاسئلة الكونية. كيف ولماذا ؟ ابعاد هذه المفردات الوجودية ما اقلق البشر منذ القدم.. كان "جلجامش" أول من طرح هذا السؤال عبر فقدانه "لانكيدو" ولم يحصد سوى السراب. ذلك ان الزائر الغريب يتساوى امامه الكل.. ولم يدرك أحد ابعاد الزيارة المفاجئة. ولا يترك لبني البشر سوى الحيرة. ذلك ان الموت لا يرتبط بوقت أو آوان! وهل الرحيل في حاجة إلى الاستئذان؟. كان "ابا علي" مكبلاً مع الوعي بلا وعي في تلك الساعات. كان بين الصحو والسبات وبين الحلم واليقظة.. هل حقاً رحل.. ولماذا فجأة. كان الصدق والخيال يتجاذبانه. خيط واه كان يربطه بين ان نكون أو لا نكون. وكأنما "هاملت" الحيران قد عاد للحياة مرة أخرى.. خيط واه بين كل المفردات سيطرت عليه. فجأة اكتشف ان كل مفردات اللغة لا معنى لها.. وأن متى ولماذا وكيف.. لا تجيب على اسئلته الازلية المحيرة. ولا تمنحه بعداً في الاطار الوجودي. لم يحصل على أيّ اجابة تشفي غليله كما لم يحصل أحد في تاريخ البشرية على اجابة شافية لمثل هذه الالغاز. لم يكن "امام ابا علي" سوى الانهزام والادعاء والتمثيل بدور من يملك الشجاعة المزعومة. ولكن هيهات. ذلك ان شريط الذكريات ترسل من الماضي كل الصور.. هنا طفولته البكر.. هنا سنوات العمر.. هنا كان يسرد الراحل حكايات الغوص والمعاناة.. هنا يسرد شريط الذكريات مع من رحلوا. هنا يتوقف كي يرسل دمعة حرى على من رحلوا فجأة.. هنا نظرته الحانية.. وهنا لحظة من لحظات الغضب الصامت لأن حفيداً لم يسمع الكلمات. أو القى بعفويته لفظاً جارحاً. آه.. هنا دلته وفناجين القهوة وتكشيرة صامتة "لأن القهوة باردة". كان السؤال.. هل حقاً رحل.. حتى دون كلمة وداع ؟ كان الراحل بخيلاً بالتعبير عن مفردات الحب. وهذا دأبه. ولكنه كان محباً حتى النخاع ولكن لم يسترخص بضاعته في كلمات. كان صمته حباً وكان سؤاله ملحمة. المشهد الثاني: مرت سنوات العمر سراعاً. اصبح رفيق الصمت.. يعيد في بعض الآن الصور.. صور ما زالت لاصقة بالذاكرة.. صور من الحياة بحلوها ومرها. والحياة بعمق ايامها واتراحها. المشهد الأخير: الآن في لحظة الوداع الاخير.. وقف "ابا علي" يتطلع إلى شواهد القبور.. وحلق بذاته عبر السؤال الوجودي.. هل الموت في هذه البساطة؟ تطلع إلى شواهد القبور وتذكرة مرة أخرى مسرحية "هاملت" وتلك السخرية المرة.. عبر حفار القبور "هنا جمجمة الملك بجانب جمجمة المهرج !!" إذاً الحياة مسرحية. هنا يتساوى الجميع.. امسك شقيقه بزنده وانتشله من حالة الذهول.. كان في تلك اللحظة يردد في صمت كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول [email protected]