24 أكتوبر 2025

تسجيل

ماذا يحدث عندما يصاب الإنسان بالسرطان ؟

02 سبتمبر 2018

خوض الإنسان معتركات الحياة دون علم بما يخفيه له قضاء الله وقدره، وهذا مما يجعله في حاجة دائمة إلى ما يمنعه من الوقوع بنفسه في مستنقعات اليأس المهلكة، ولا يتم ذلك بدون وجود الدوافع التي تقوده إلى السير بعزم وثبات في رحلته الدنيوية رغم كل ما يحصل له من سوء وشر سواء بسبب شدة بلائه أو بأقوال وأفعال من يعيش معهم. إن الابتلاء سنة ربانية اقتضتها حكمة الله في الدنيا باعتبارها مرتعا للمعارك الحياتية، ولأنها في حقيقتها هي دار للامتحان والمكابدة، ومما لا شك فيه أن لكل معركة يعيشها الإنسان في حياته ظروفها وحيثياتها وغنائمها، وبطبيعة الحال لها أيضا عواقبها التي تأتينا على هيئة دروس سواء أتجرعنا طعم الخسارة في هذه المعارك أم حققنا فيها انتصارا.  من بين تلك الابتلاءات التي يمكن أن يصاب بها المرء على غفلة من أمره نجد السرطان؛ ذلك المرض الخبيث الذي يغزو جسم الإنسان دون استئذان، فلا يعلن عن نفسه بعد أول هجوم له للخلايا البشرية، بل يظل مستترا حتى لا يلتفت إليه الأنظار، ولكيلا يتم محاربته والقضاء عليه من الوهلة الأولى قبل انتشار الخلايا السرطانية على نطاق واسع، وكما هو معلوم فالسرطان يختار ضحاياه دون اكتراث للعواقب والأضرار. كون الإنسان مصابا بالسرطان لا يعني أن سعادته مستلبة بالرغم من أنه إنسان أضنته علته ومزقته آلامه الجسمية وأرهقته إلى جانب كثرة اضطراباته الشديدة في حالته المزاجية. وبعيدا عن كون السرطان من الأمراض الفتاكة واعتباره من الأقدار الإلهية فهو من بين المعارك الدنيوية التي قد تباغت المرء في حياته، ورغم أنه ليس من المعارك الدموية إلا أن في خضمه يحدث صراع شديد بين التفاؤل والتشاؤم، وبين قوة الإيمان وضعفه، وبين غير ذلك من الأمور المتضادة، لهذا فالسرطان يستدعي التوفر على مجموعة من الأسلحة الثقيلة لمواجهته، والإصابة به يعني الكثير من الأمور والأشياء التي قد تكون جلية أو خفية، لهذا سيتم تناولها والحديث عنها نظرا لأهميتها البالغة جدا. يحصل تغيير كبير في حياة المصاب بالسرطان، ويرجع ذلك إلى ما يمسه من تحولات متعددة الأبعاد، وهذا ما يجعله بالذات يدرك بأن كل شيء في الحياة الدنيوية محدود، ومهما ملك فيها الفرد من نِعم ومتع فلن يستطيع الحصول على جميع ما يبتغيه ويتمناه، إذ لا يمكن تحقيق كل طموحات النفس ومشتهياتها وملذاتها. يعي المبتلى بالسرطان بأن مرضه لا يعني زوال ابتسامته، رغم شحوب وجهه وتغير ملامحه، وذهاب وسامته، وإن لم يكن هناك أي باعث من بواعث الفرح والسرور على الإطلاق، فالابتسامة وإن لم تكن سببا كافيا للشفاء إلا أنها تخفف من وقع المرض الخبيث على نفسية المريض بذلك الداء. ولمجرد ما أن يصبح المرء مصابا بالسرطان يدرك مباشرة حقيقة مهمة انطلاقا من الهجوم الذي يتعرض له جسمه من الخلايا التي تنتمي إليه، ومع كونها من مِلكه الخاص إلا أنها تتجرأ على الانقلاب عليه ومعاداته، ومن هنا يصل الإنسان إلى قناعة مفادها أنه لا أمان ولا ثقة ولو في الأشياء التي في ملك الفرد، فما بالك بالأمور الأخرى اللامنتمية إليه والبعيدة منه، وهذا مما يجعل المبتلى يعلم الصورة الحقيقة لمن يتشفون فيه ويظلمونه عن قصد أو بدونه، ويكتشف معدن الذين تخلوا عنه في محنته وأساءُوا الظن به أو عاملوه بطريقة غير أخلاقية. ولا ريب في أن المصاب بالسرطان يدري جيدا بأن الأدوية الطبية ما هي إلا وسيلة من الوسائل التي يمكن أن تساعده على الشفاء من هذا السقم العنيد؛ بدليل أن بعض المرضى لا ينفع فيهم الدواء الذي نفع في غيرهم، فالشفاء قبل كل شيء هو رحمة ربانية، ولا ينال بدون وجود الصبر الذي يفرز بكثرة حينما يشعر المبتلى بامتلاء قلبه بالرضا بما قدره الله، ولا يتم تصديق ذلك الشعور إلا بتجسيده كسلوك ممارس. ولولا الابتلاء لما عرف المتنعم قدر نعمة الله عليه، ولولا المرض لجهل الناس حقيقة نعمة العافية وقدر الصحة والسلامة، ومن هنا فالمريض بالسرطان رغم كونه مشبع بالألم والأوجاع إلا أنه يدرك أمورا كثيرة لا يدركها غيره، فماهية الدنيا يعلم بها المصاب فيها أكثر من الصحيح المعافى. ومن يخشى الموت نتيجة لإصابته بالسرطان لن يذوق طعم الحياة، والمقاتل المغوار هو الذي يضع بحسبانه في كل مرة يخوض فيها معركة حياتية إنه أقرب من النهايات التي تؤدي إلى الموت، لكن لا يعني ذلك استسلامه لأمر الواقع، بل الأمر يدخل في حسن التخطيط وتوقع سيناريوهات معينة تدفع الإنسان إلى بناء أمل جديد ومواصلة المشوار بثبات. عن "الجزيرة نت "