14 سبتمبر 2025
تسجيلتعرضت تونس إلى عملية إرهابية جديدة يوم الإثنين 29 أغسطس 2016، بجبل سمامة بولاية القصرين، عندما كانت الوحدات التابعة للجيش الوطني المكلفة بتأمين عمال مدنيين يتولون أشغال تعبيد طريق بمنطقة «أولاد بالنجاح» التابعة لعمادة «خمودة» من معتمدية فوسانة والواقعة بين جبلي سمامة والشعانبي على بعد حوالي 12 كلم غرب مدينة القصرين، تعرضت إلى هجوم مزدوج بالألغام والقنابل اليدوية ورشاشات «الآر بي جي» في ما يشبه الكمين بهدف إيقاع أكثر ما يمكن من الخسائر البشرية. إنه التخطيط الذي اعتمدته «كتيبة عقبة بن نافع» الإرهابية سابقا في عملياتها الإرهابية بجبل الشعانبي وهنشير التلة ومفترق بولعابة، حيث أدّى انفجار لغمي أرضي بالمدرعة الأولى، التي كان على متنها 15 جنديًا، إلى استشهاد3 جنود وسقوط 9 جرحى. لكن تصدي وحدات الجيش كان عنيفًا وكثيفًا، مما أدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الإرهابيين. ويعتبر هذا الهجوم الإرهابي على الوحدات العسكرية في منطقة أولاد بن نجاح بجبل سمامة الثاني في غضون أسبوعين. وفجر الثلاثاء30 أغسطس الماضي، حصلت مواجهات عنيفة بين وحدات من الجيش والأمن والحرس الوطنيين ومجموعة إرهابية إثر ورود معلومات عن تحصن إرهابيين بمنزل في حي الكرمة من ولاية القصرين. وقد تم القضاء على هذين العنصرين الإرهابيين خلال هذه العملية الأمنية الاستباقية، وهما كانا يخططان للقيام بعمليات إرهابية بالمنطقة. كما أسفرت العملية عن وفاة مواطن جراء إصابته بطلق ناري من قبل العنصرين الإرهابيين، وتعرض أحد أعوان الأمن إلى إصابة مستوى الركبة. تأتي هذه العملية الإرهابية مع توقيت تسلم الحكومة الجديدة برئاسة يوسف الشاهد مهامها، لتوجه بذلك رسائل مشفرة من الإرهابيين ليوسف الشاهد وفريقه الحكومي الذي أعلن الحرب على الإرهاب، وإلى الشعب التونسي بأن الحرب لم تنته بعد. ومن الواضح أن هذه المجموعات المسلحة المتحصنة بالجبال تحركها أياد خفية تختار مواعيد ضرباتها بدقة كبيرة، لأن موقع الحادثة يؤكد أنه تم الإعداد لها بشكل مسبق ومدروس على امتداد عدة أيام في انتظار ساعة الصفر التي كانت ارتقاء حكومة الشاهد لقيادة البلاد. ويأتي هذا التزامن أيضًا في إطار الحرب النفسية التي تقودها هذه المجموعات، ولإعطاء الحدث قيمة وصدى إعلاميًا كبيرًا وهو ما يعني أن الحرب على ظاهرة الإرهاب ما تزال طويلة وفك رموزها وأسرارها والكشف عمن يقف وراءها سيحتاج إلى مجهودات كبيرة وربما وقت طويل للقضاء عليها نهائيا. وتبنت «كتيبة عقبة بن نافع»، هذه العملية الإرهابية، يوم الثلاثاء الماضي. وترجح المصادر الأمنية التونسية وجود حوالي 200 إرهابي في جبال ولايات القصرين وسيدي بوزيد وجندوبة وقفصة والكاف جلهم جزائريون محاصرون من قبل وحدات الجيش الوطني، فيما يحاول بعض الإرهابيين التسلل إلى جبال الكريب من ولاية سليانة والعثور على موطئ قدم فيها هربا من الطوق الأمني والعسكري المضروب عليهم في بقية الجبال وبحثا عن الماء والمواد الغذائية بعد أن أصابهم الجوع والعطش بسبب الجفاف والحصار الأمني وقطع الإمدادات عنهم والإطاحة بخلايا الدعم اللوجستي والرفض الشعبي لهم.. وكانت قوات أمنية خاصة تابعة لجهاز الاستعلامات المخابرات نجحت في اختراق صفوف هذا التنظيم الإرهابي الذي يطلق على نفسه اسم «كتيبة عقبة بن نافع» في بداية سنة 2015، واستطاعت بعد ملاحقة أمنية أن تقتل زعيم التنظيم، الجزائري خالد الشايب المعروف باسم لقمان أبي صخر، عندما كان متوجها من ولاية قفصة نحو الحدود التونسية الليبية، في يوم 28 مارس 2015. وشهدت كتيبة«عقبة بن نافع» انضمام عدد من العناصر الإرهابية التي كانت تابعة لتنظيم «جند الخلافة» الجزائري الذي بايع تنظيم «داعش»، بهدف تعزيز صفوف الكتيبة من خلال استقطاب مئات «الدواعش» التونسيين الموجودين في ليبيا، والذين يخططون للتسلل إلى تونس فرادى أو في مجموعات، بعد هزيمة «داعش» في مدينة سرت الليبية. وفي ظل عدم وجود حاضنة شعبية لتنظيم «داعش» في ليبيا، من المرجح أن تكون المنطقة الرخوة في الجنوب الغربي من الصحراء الليبية المحاذية لحدود النيجر والجزائر والقريبة من شمالي مالي ملاذًا آمنًا للعناصر الفارة من معركة سرت لتقترب من فرع متطرف في نيجيريا المعروف بجماعة بوكو حرام. علمًا أن منطقة الجنوب الغربي لليبيا تعتبر ملاذًا آمنًا لنشاط واسع من المهربين والجماعات المسلحة، والتي تتنازع قبائل ليبية في الجنوب الغربي على السيطرة على طرق التهريب التي تقطع الصحراء الليبية. وتشير المعطيات الاستخباراتية الدولية والعربية إلى أن الجنسيات التونسية ضمن عناصر «داعش» في ليبيا تُعَدُّ الأكبر مقارنة ببقية دول الجوار الأخرى على غرار الجزائر ومصر، إذ إن من مجموع يتراوح ما بين 4 إلى 5 آلاف مقاتل حسب وزير الخارجية الليبي السابق، يصل تعداد التونسيين المنضوين في تنظيم «داعش» الليبي نحو 800 عنصر، من بينهم قياديون متواجدون في ليبيا. ويتدرب الإرهابيون التونسيون في معسكرات لتدريب المتشددين استعدادًا لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس بالتنسيق مع الخلايا النائمة المنتشرة في بعض جهات الجمهورية خاصة في الساحل، وهذا بحد ذاته يشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن الوطني التونسي، في حال تسللهم إلى تونس. وتحرص «كتيبة عقبة بن نافع» باعتبارها أكبر تنظيم في تونس مرتبط بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، التي يشرف عليها قادة جزائريون لهم علاقة بأمير تنظيم «القاعدة» في المغرب العربي، المدعو «عبدالمصعب عبدالودود»، على استقطاب العناصر «الداعشية» التونسية الفارة من ليبيا.