14 سبتمبر 2025
تسجيلمن المؤكد أن المسؤولين الإيرانيين لم يحبذوا على الإطلاق الموقف الذي أبداه الرئيس المصري محمد مرسي حيال الأزمة السورية، ربما توقعوا أن يكون أكثر دبلوماسية، أو أن يحاول ملاقاتهم في منتصف الطريق، لكنهم صدموا بأنه لم يتطلع إلى مسايرتهم سواء لأنها زيارته الأولى لطهران، أو لأنه يلقي أولى كلمات الضيوف، لكن أي موقف أقل وضوحاً كان سيرسل إشارة خاطئة وسيعطي انطباعاً بأن مصر لاتزال حائرة ومنخفضة الصوت كما كانت خلال المرحلة الانتقالية مع المجلس العسكري. كان الإيرانيون شعروا ببعض التشجيع من الاقتراح الذي قدمه مرسي في القمة الإسلامية، قبل أسبوعين، ووجدوا فيه هامشاً للمناورة، ذاك أن وجود مصر والسعودية وإيران وتركيا في هيئة رباعية، وفقاً للاقتراح، عنى للإيرانيين أنهم سيجدون شركاء لرعاية حل في سوريا يبقي النظام، لأنهم في كل الأحوال لن يتخلوا عن هذا الهدف، ثم تبين لهم خطأ هذا الحساب، فمثل هذه "الرباعية الإسلامية" تريد اجتذاب إيران إلى فكرة إقناع الرئيس السوري بالتنحي لإتاحة حل سياسي. في معرض التحضير لقمة مجموعة عدم الانحياز، وخلال مناقشات وزراء الخارجية، أدرك الإيرانيون أن الملف السوري مثار خلاف، وأنهم لن يتمكنوا من إيجاد إجماع على صيغة تدعم النظام السوري. لذا قرروا أنه يجب ألا يكون محورياً لئلا ينعكس على الجو العام للقمة التي يريدون لها نجاحاً بيناً، لكنهم في الوقت نفسه يريدون أن تدعم القمة قضية إيران في صراعها مع الدول الغربية على خلفية برنامجها النووي، إلا أن الحضور الذي تمنوه وسعوا إليه للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون انقلب أيضا ضدهم إذ إن الرجل شدد على تنفيذ القرارات الدولية التي تطلب من إيران إيضاح موقفها من خلال التفاهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كل ما استطاعت إيران تحصيله في القمة اقتصر على ما كان لديها قبل القمة، فمعظم دول عدم الانحياز ترفض بشكل مبدئي نهج العقوبات الدولية، كما أنها تؤيد حق الجميع في إنتاج الطاقة النووية والحصول عليها للاستخدام العلمي والسلمي، ولا شك أنها تدعم حل أي خلاف بالتفاوض والدبلوماسية، مما يعني أنها لا تقبل طبول الحرب التي تقرعها إسرائيل كخيار عسكري لحسم الأزمة النووية، وفي سياق هذه المواقف المبدئية، المنسجمة مع الثقافة النقدية للدول الكبرى وطريقة إدارتها للصراعات فإن مآخذ إيران على مجلس الأمن الدولي كتركيبة وممارسة تجد صدىً إيجابياً لدى معظم دول عدم الانحياز، حتى لو لم تشاركها في اللهجة الحادة التي تستخدمها في مطالبتها بإصلاح الأمم المتحدة ومؤسساتها. ما الذي تغير بالنسبة إلى إيران عبر قمة عدم الانحياز، وما الذي سيتغير بعدها؟ بالنظر إلى وضعها الصراعي الحالي، دولياً وإقليمياً، استطاعت إيران أن تحبط كل التوقعات السلبية، وتمكنت من استضافة هذه القمة وتسلم رئاستها للسنوات الثلاث المقبلة، ولعلها تمتعت على مدى أسبوع بمشاعر نفسية تخفف من العزلة التي تعيشها عادة، كما أنها حصلت على منبر استقطب لبضعة أيام بعض الأضواء الإعلامية فقال مرشدها علي خامنئي ورئيسها محمود أحمدي نجاد وغيرهما من كبار رجال الدولة كل ما يختزنونه من نقمة على "المجتمع الدولي" المجحف في حق إيران، لكنهم يعرفون أن ما يبحثون عنه حقاً يوجد في مكان آخر، فكل هذه القوة العسكرية التي بنوها والأموال التي أنفقوها مستثمرين في طموحهم لنفوذ إقليمي معترف به لا يمكن تصريفها في محفل عدم الانحياز، غير أن هذا المحفل كان ضرورياً، بالنسبة إليهم، أقله لتدعيم ركائز ذلك النفوذ. مع انحسار الأضواء ومغادرة الضيوف، عودة إلى الواقع، مع محاولة تقييم النتائج، فقد سمع هؤلاء المسؤولون كلاماً صريحاً وآخر ملمحاً يتناول الوضع الداخلي الإيراني، فهل أن "زعامة عدم الانحياز" ستحفزهم على بذل أي جهد في هذا المجال؟ السؤال مطروح وإن كان هناك شك كبير في رؤية تغيير يذكر، وهل يمكن لهذه "الزعامة" أن تواصل ابتلاع ما يجري في سوريا والاكتفاء بإدانة "المؤامرة على خط المقاومة والممانعة"؟ وهل تريد إيران تطوير مفهوم عدم الانحياز لتعطي نموذجاً في تطبيق "مبادئ باندونج" ومن أهمها "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى" فتبدأ بدول الجوار أولاً؟ وهل تعمل على تفعيل الدعم المطلق للقضية الفلسطينية في مجموعة عدم الانحياز بحيث لا تكون إيران عبئاً على هذه القضية وطرفاً يستغلها من أجل مصالحه الخاصة؟ هل تدرك أن الروح الـ"عدم انحيازية" تتطلب رؤية جديدة للتعامل مع الإقليم بهدف تحقيق الاستقرار للشعوب والحكومات على السواء؟ أسئلة تطرح نفسها أولاً لأن حركة عدم الانحياز بحاجة إلى من يجددها ويعطيها دفعاً نحو أهدافها الأساسية التي لاتزال ماثلة، وثانياً لأن الطموحات الراهنة لإيران أبعدتها عن الواقع بل عن براغماتيتها المشهورة. وإذا كان لابد من بداية ما، فلتكن مثلاً عبر تصحيح العلاقة مع مصر، مادامت طهران تتطلع إلى ذلك، مادامت القاهرة ترغب أيضا في تجاوز الصفحة التي طويت مع سياسات النظام السابق. والواقع أن علاقة سوية بين البلدين ستتوقف أولاً وأخيراً على السلوك الإيراني، فكل الأساليب المستنبطة من أيديولوجية الثورة الخمينية، من نقل ناعم أو خشن لـ"الثورة"، ستكون إذا اتبعت مع مصر سبباً كفيلاً بإفشال أي تطبيع للعلاقات، والمشكلة أن إيران تبدو في تعاملها مع أي دولة أخرى وكأنها غير معترفة بالأعراف المتبعة، تغفل حيثما حلت أسلوب التغلغل والاختراق وإثارة النعرات المذهبية، ولعل سوريا ولبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان وبعض دول الخليج أمثلة ونماذج للتطبيقات الإيرانية، فإذا كانت التمنيات والطموحات نفسها تراود طهران بالنسبة إلى مصر فهذا يعني ببساطة أنها لم تفهم شيئاً من القطيعة الطويلة بين البلدين، فهي لم تكن مجرد إذعان للسياسة الغربية، بل كانت أيضا مبنية على أسباب مصرية خالصة تتعلق خصوصاً بمبدأ "عدم التدخل" المتبادل، لذلك إذا نجح البلدان في إقامة علاقة طبيعية سيكون ذلك بداية طيبة ومؤشراً إلى تغيير جوهري في إيران.