11 سبتمبر 2025
تسجيلعلى مدار الأيام الماضية، والأسابيع المنصرمة، كان الجدال دائراً حول ما إذا كانت أسهم شركة ناقلات الغاز حلالاً أم حراماً. وعلى الرغم من أن اختلاف الفتاوى تعد ظاهرة صحية، وتمثل "رحمة للأمة"، فإنه كان من الواجب الاسراع في تبيين الأمر للناس، وعدم ترك المسائل يشوبها الكثير من التساؤلات، وإيقاع الأفراد في نوع من البلبلة، وإثارة الغبار ما بين تأييد وتحريم. وللأسف أن البعض من العلماء كان يرفض الرد على تساؤلات المواطنين حول الجوانب الشرعية في الاكتتاب في عدد من الشركات، وهو أمر أعتقد أنه بحاجة الى نظر من قبل العلماء الأفاضل. ولست مفتياً حتى أتمكن من الحديث عن قضايا فقهية، ولكن لابد من القول انه من الواجب على العلماء أن يدرسوا الواقع بصورة جيدة قبل الإقدام على إصدار أي فتوى، فهناك ما يسمى حسب المصطلح الشرعي بـ "فقه الواقع"، وهو ما نحن بأمسّ الحاجة إليه، في ظل تسارع الحياة اليومية، وبروز قضايا عصرية بحاجة الى حضور قوي للعلماء، ليس بسرعة ابداء الرأي بها، بقدر دراستها من جميع الأوجه، ومدى تأثيرها على حياة الناس، وفي نفس الوقت إذا ما صدرت فتاوى بحرمتها مثلا أن يتم طرح البدائل التي من شأنها أن تحل مكان ما حرم، وليس فقط ترك المسائل دون ايجاد البدائل. نحن نعلم مدى حرص العلماء على مصالح المجتمع، وهو ما يدعونا لنؤمل بهم الكثير، فالعاِلم ليس منزوياً في صومعة، أو معتكفا في زاوية، بعيداً عن القضايا اليومية للناس، بل يخالط الناس، ويعرف مشاكلهم، ويتعاطى مع مختلف القضايا، وللأسف إن البعض من العلماء بعيد عن قضايا المجتمع، تجده حاصراً نفسه بين الكتب والدراسات العلمية البحتة، وهذا أمر مطلوب، ولكن أتصور انه من الواجب أن تلامس هذه الدراسات حاجات الأفراد، وتنظر الى ما استجد من أمور لها علاقة مباشرة بمتطلبات الحياة اليومية، وهذا ما نفتقده في الكثير من العلماء والمشايخ، الذين ظل البعض منهم بعيداً عن المجتمع الذي يعيش فيه. نحن بحاجة إلى العاِلم الفقيه، الذي يستطيع ان يقدم الحلول الشرعية لقضايا الناس، وفق تأصيل شرعي يتعامل مع الواقع، وينظر بكل موضوعية فيما يطرح من قضايا سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية أو صحية.. ويقدم الحلول، ولا يترك الأمور معلقة، ففي ذلك خطورة حقيقية، في ظل تنامي الاشاعات، وانتشار البلبلة، ودخول أشخاص ربما يكونون محسوبين على العلماء الى الساحة، وتصدر الفتوى، دون ان يكونوا مؤهلين لذلك، وبالفعل باتت أعداد كبيرة تتجرأ على الفتوى، ممن يحسبون على العلماء والمشايخ، فأصبحت الفتوى أسهل من أي عمل. في موضوع الاكتتاب بأسهم "ناقلات"، وغيرها من الشركات وجدنا "تنافساً" محموماً في قضية إصدار الفتاوى، وانتشار الرسائل عبر الهاتف النقال، التي تتحدث عن حرمة الاكتتاب في أسهم هذه الشركات، دون أن يكون هناك مصدر حقيقي لهذه الفتاوى، بل وزعت عبر هذه الرسائل أرقام هواتف نسبت لعلماء أفاضل، وعند الاتصال بهذه الأرقام وجدت أنها لم توضع في الخدمة أصلاً!!