28 أكتوبر 2025

تسجيل

ربع قرن على الزلزال العربي

02 أغسطس 2015

في الثاني من أغسطس عام 1990، غزا العراق الكويت واحتلها ومسحها من الخارطة بضمها للعراق، وبين ليلة وضحايا تحول الكويتيون إلى قتيل وجريح وأسير ومشرد ولاجيء والباقي يعيش تحت الاحتلال العربي "الشقيق"عنوة وقهرا. كان ذلك اليوم المشؤوم بداية الانهيار العربي، وكان الحريق الأول العربي الصنع والصنيعة والذي قاد إلى باقي الحرائق التي لا تزال مشتعلة حتى اليوم، كان ذلك الغزو والعدوان السافر، إعلان سقوط النظام العربي وإنهاء سايكس بيكو على الطريقة الصدّامية ولم تكن "داعش" قد ظهرت للوجود بعد. تحررت الكويت بصمود أهلها والتفافهم حول قيادتهم الشرعية ووطنيتهم الدستورية، وتوفر قيادات عربيةتاريخية على رأسها الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز –رحمه الله- انتصرت للمظلوم على الظالم، وقدمت كل غال ونفيس من أجل عودة الحق الكويتي لأصحابه، وقيادات دولية رأت في مصالحها أهمية دحر العدوان ومن بينهم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب ومارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، لكن الأمة العربية والمنطقة برمتها لم تتجاوز اثار ذلك العدوان الغادر، فالعراق الذي أدخله الطغيان الصدّامي في حرب تلو أخرى، لا يزال يعيش اقتتالا طائفيا لا أفق لنهايته، وسوريا محرقة تدمرت وقتل أهلها وتشردوا بمأساة لم يشهدها العصر الحديث، على يد طاغية مستنسخة من صدام حسين لا يقل عنه دموية وهولا. لم يعرف العراق الاستقرار والعيش الرغد الهاديء منذ حكمه صدام حسين عام 1979، فقد جره لحرب مع الأكراد المدعومين من شاه إيران في منتصف السبعينات، كان صدام حسين حينها "السيد النائب" للرئيس العراقي أحمد حسن البكر، ولكنه الرئيس الفعلي والحقيقي وقتها، وتوقفت حرب الأكراد بتوقيع صدام على ما عرف باسم اتفاقية الجزائر عام 1975، والتي سرعان ما مزقها صدام حسين نفسه بعد خمس سنوات ليشن حربا شاملة على إيران عام 1980، استمرت برفض وتعنت إيراني على وقفها طيلة سنوات ثمان، أتت خلالها على الأخضر واليابس وعلى مقدرات البلدين وخيرة شبابها، ثم عاد صدام حسين للمربع الأول بإعلانه احترام اتفاق الجزائر بعد غزوه للكويت بعد سنتين فقط من نهاية الحرب مع إيران في محاولة لتهدئة الجبهة معها. غزا صدام حسين الكويت بعد حرب إعلامية قصيرة استمرت أياما فقط، اتهم خلالها الكويت والإمارات بالتسبب في "قطع أرزاق" العراقيين وسرقة نفطهم، وتحول الكويتيون بنظر صدام بفترة وجيزة من مساندين للعراق في حربه لحماية البوابة الشرقية إلى "بواقين للنفط"، وعليه قرر صدام حسين غزو الكويت ومحوها وضمها للعراق. إن مثل تلك الجريمة النكراء، وذلك الخبل السياسي، هو المسبب الأول الثابت لمعظم ما تعيشه المنطقة العربية، فلقد عاش العراق حصارا اقتصاديا دوليا أعقب حرب تحرير الكويت بسبب صلف صدام حسين ورفضه للقرارات الدولية التي وافق على تنفيذها، وتسبب ذلك الحصار في تأخر العراق وعيشه خارج إطار التاريخ بسبب اختطاف النظام لشعبه والمساومة على مأساة أطفاله لرفع الحصار عنه وعودته لمغامراته المدمرة، ولقد قادت تلك السياسات للغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي أسقط صدام ونظامه ليهرب متخفيا أشهرا حتى ألقي عليه القبض مختبئا في حفرة تحت الأرض، فأعدم عام 2006 بعد أن شهد مقتل ابنيه وتشرد عائلته وبناته وملاحقة رجاله وأزلامه- اللهم لا شماته. ولقد كان بإمكان صدام حسين تجنيب بلاده وشعبه وأهله ما جرى لهم من نهايات مأساوية مدمرة لو أنه قبل أصوات العقل والتزم بالشرعية الدولية التي خرقها، أو لو أنه أصغى لمبادرة حكيم العرب- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه- بالخروج الآمن تجنبا للغزو الأمريكي عام 2003، لكن الطغاة يعيشون خارج الواقع في عالم جنون العظمة ومرض الحمق والصلف، فكان ما كان! غزوات وحروب وهروب ثم احتلال وفوضى واحتراب داخلي، وغزو إيراني بمعاونة عراقيين من الداخل، حيث تمسك إيران اليوم-عدو الأمس- بزمام أمور العراق الذي يعيش تأخرا في كافة المجالات والخدمات، وتناحرا داميا بين طوائفه ومكوناته. إن الموضوعية والأمانة تقتضي منا أن نتفهم تبعات وآثار ذلك الغزو المدمر عام 1990، ولكنها تقتضي أيضا الاعتراف بهشاشة النظام العربي في حينه الذي أظهر صدام حسين بغزوه للكويت بأنه أوهن من بيت العنكبوت، وما أشبه الليلة بالبارحة: فالعراق اليوم يعيش أخطار الطائفية التي تحكم بغداد، والهيمنة الإيرانية، وحروب داعش العبثية وتمددها خارج حدود الوطن، ولكن ما يجري اليوم، هو نتيجة وليس سببا، وهو ما يرفض من ساند الغزو والعدوان الاعتراف به حتى اليوم، وتعليق كل شيء على الغزو الأمريكي للعراق وحسب، فلقد كان الغزو الأمريكي نتيجة لغزوات وحروب عبثية-بعثية أشعلها صدام حسين، وتكتمل بوجهها المتهالك بعبثية-وبعثية بنسخة سورية يقودها بشار الأسد ستؤدي بسوريا إلى ما انتهى إليه العراق، برفض النظام السوري الرحيل ليقرر شعب سوريا مصيره بدلا من أن يقرره الآخرون- كما جرى بالعراق. وبغض النظر عن تفاصيل ما يجري بسوريا اليوم، فكلها ونتائج وسببها واحد: طغيان وقهر وقمع وجرائم نظام الأسد في حق الشعب السوري والباقي تفاصيل ونتائج. إن دول الخليج كافة مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بلملمة الخلافات، وحل النزاعات بينها كشرط اساس للتصدي لأخطار الخارج، وهي مطالبة بتعزيز حقوق الإنسان واحترامه وحفظ ثرواته ومحاربة الفساد الذي ينخر باقتصاداتها، والعمل بكل تفان وتضحية على السير نحو الكونفدرالية الخليجية التي تعتبر سورا منيعا ضمن أسوار استراتيجية الأمن القومي لدولنا، والبناء عليها لإنشاء نظام عربي أمني جديد يضمن عدم تكرار "أم المآسي" والزلزال الذي هز كيان الأمة وأشعل حرائقها في الثاني من أغسطس عام 1990.