14 سبتمبر 2025

تسجيل

يا أهل غزة علمتمونا ما نفتقده !

02 أغسطس 2014

لقد قلبت غزة المعادلات المكتسبة والمسلمات الموروثة في الوعي الجمعي للإنسان العربي. غزة هاشم بأهلها وناسها الطيبين ومقاوميها الميامين نسفت المعادلات والمسلمات التي تربينا عليها نحن وأجيال آخرون، وهي تراكم بنائها في إنشاء "ثقافة المقاومة"، ثقافة جديدة، لحنُها العناد والمواجهة.. لحنها الإصرار على الحياة بعزة وكرامة.مرغت المقاومة في العشرين يوماً الفائتة أنوف النّخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي بتراب غزة الأبية.. ولا مبالغة في ذلك، فدونكم خطاب قائد كتائب القسام محمد الضيف وعملية "ناحال عوز" التي فيها من الدلالات على عظم المقاومة ونضوجها وقدرتها وفعاليتها العالية وخور وجبن وهلع ما عليه جنود الاحتلال الذين احتلوا أراضي شاسعة وكادوا أن يسقطوا نظماً في ساعات عديدة وهم يواجهون سبعة جيوش عربية في حرب سبعة وستين دفعة واحدة! وكما أن فصائل المقاومة، وتاج رأسها كتائب القسام، تستحق منا الاحترام والتبجيل والحبّ الغامر إلا أن هناك مقاومة من نوع آخر، مقاومة لا تلين ولا تنضب، هي معدن كل خير اليوم في غزة.. إنها الحاضنة الشعبية للمقاومة المسلحة.. أهل غزة وناسها الطيبون الصامدون الذين لم تلن لهم قناة، ولم تستأصل شأفتهم حرب، ولم يمزق عزيمتهم ترهيب وترغيب العدو، ولم تنخدع - حاضنة المقاومة- بما يزين لها "صهاينة عرب" فأبت إلا أن تعكس معدنها الكريم، فالتحمت مع المقاومة في لوحة لا يطالها دنس، تتحطم تحتها كل المؤامرات والمخططات التي دُبرت بليل لغزة وأهلها. يئس الحصار من أهل غزة، ولم يستطع أن ينال من عزيمتهم ولم ينجح في تركيعهم ولا تمكن من أثنائهم عن حماية المقاومة واحتضانها.. ولا هزّ ثقتهم بمقاومتهم ولا دفعهم لخذلانها رغم الوجع الشديد.. عائلات بكاملها تأتي إلى الدنيا، تعيش معاً تحت وطأة حصار القريب والبعيد، تتقاسم لقمة الخبز بين أفرادها، تحلم معاً، وتضحك معاً، وتبكي معاً، وفي نهاية المطاف ترحل من الدنيا معاً كقافلة سفر في حرب وُجدت لنفيهم من الحياة بعد أن فشل السجان من تركيعهم.. أسألوا عائلات الشجاعية وخزاعة وخان يونس عما حلّ بهم!هذه هي الحاضنة التي أنتجت هذه المقاومة المبهرة التي علمتنا كيف يكون النصر لقلة مؤمنة صابرة محتسبة في وجه آلة قتل متمرسة فتاكة يُسخر لها كل مقاومات القتل والدعم عالميا وإقليمياً. يا حاضنة المقاومة عذرا! فقد اندثرت ذاكرتنا الجماعية فما عدنا نفرق بين الصديق والعدو، بين الحبيب والمبغض، بين المؤمن والكافر.. تُركتم في العراء لمصيركم ولم يكن لكم نصير ولا معين سوى زادكم من الإيمان والصبر والتمسك بالحقوق.. وسامحونا إن عجزنا عن نصرتكم، فقد تكالبت عليكم أمم الأرض وزادت مرارتها نصرة أناس يُحسبون من أهلنا، يتكلمون بألسنتنا هم أشد عليكم من طلقات بنادق عدوكم، يفرحون لقتلكم ويسرون لانتصار قاتلكم! شكراً يا أهل غزةلقد علمتمونا أن المبادئ لا تشترى ولا تباع، وإنما تُرضع مع حليب الأمهات.. علمتمونا حقيقة التضامن حين نرى تضامنكم والتفافكم على مقاومتكم رغم مرارة الحصار والأثمان الفادحة في الولد والمال.. علمتمونا حقيقة العزة بعد أن نسينا الفرق بين الكرامة والمذلة.. علمتمونا عمق الفرق بين المحب والمبغض، بعد أن تهنا في متاهات تدنس لنا كل سليم وجميل..علمتمونا كيف ينتصر الدم على السيف بعد أن بلغ منا اليأس كل مبلغ حتى فقدنا الأمل بالمستقبل كما فقدناه بالحاضر! بورك لكم في جهادكم ونضالكم.. بورك لكم بألواحكم التي تشبه ألواح جدكم موسى عليه السلام.. وشكرا لكم، ولا عزاء للمتخاذلين.