18 سبتمبر 2025
تسجيللا تتعجبوا لأمر مسؤول (الأونروا) حين أجهش بالبكاء لهول ما شاهد في غزة عبر الصور التلفزيونية الحية.. أكبر التظاهرات المناوئة لإسرائيل التي شهدتها بريطانيا كانت الأسبوع الماضي في مدينتي لندن وكارديف على خلفية أحداث غزة المؤلمة التي نقلتها الصور التلفزيونية.. بالطبع كان ذلك أكبر إدانة للصمت العربي المخزي، بيد أن ذلك أكد فاعلية الإعلام خاصة الفضائي في صناعة الرأي العام المناوئ لمراكز القوى الدولية التي ورثناها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.. ليس غريباً أن يصف خبراء الإعلام والعلوم السياسية، الرأي العام بأنه أكبر قوة عرفها البشر.. بل يمثّل القوة المعنوية التي تتحقق بها الأهداف المشتركة لأي أمة من الأمم. وحين تتحول القوة المعنوية إلى قوةٍ ماديةٍ في ظروف معينة، تصبح كالطوفان، وتكتسح أمامها كل شيء ولا تبالي بأي شيء.. لقد أصبح الرأي العام أساس السلطة في عصرنا الحالي، عصر ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال وزمن الصراع الحاد على امتلاك المعلومة والمعرفة. لا يمكن في ظل عجز الإعلام العربي المُستمد من عجز النظم العربية المحتمية بغياب الديمقراطية والشفافية أن نتجاهل ما تقوم به قناة الجزيرة من دور فعال ومؤثر في كشف ألاعيب الدولة اليهودية وتحكمها في آلة الإعلام الغربي؛ فهذا الكاتب الأمريكي الشهير يشير إلى أنه لا أحد يستطيع أن يُظهر لا مبالاة بقناة الجزيرة. ويقول: "إن الجزيرة متحيزة للتطلعات العربية بلا جدال في سياق حلم جميع العرب بأن يتّحدوا ويتحرّروا من السيطرة الأجنبية. ولكن هذا لا يجعل نقلها للأخبار كاذبا"، مضيفاً: "إن الجزيرة في تغطيتها للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عكست رأي أغلبية العرب". الواقع العملي عبر التاريخ يؤكد أن الإعلام سلاح ماضٍ يُستخدم في الأغراض السّياسية بشكل كبير جدا، بل إن البعض يذهب إلى القول بأن كثيرا من الأجهزة الإعلامية حول العالم ليست إلا مشاريع سّياسية بأهداف محدّدة، وتؤكد المدرسة الغربية في العلوم السياسية على أهمية الإعلام والاتصال باعتباره أبرز مكونات النظام السّياسي المعاصر.. وعليه ليس من المنطقي وبكل بساطة أن نتوقع من جهاز إعلامي عربي مثل "الجزيرة" أن يكون غير متحيّز إزاء القضايا الأساسية مثل قضية فلسطين التي يُجمع العرب الرأي عليها.. ألم تقر لجنة بمجلس النواب الأمريكي (الكونجرس) قبل أكثر من عقد من الزمان تخصيص مبلغ 245 مليون دولار لبدء بث تلفزيوني وإذاعي وبرامج تبادل ثقافي موجهة إلى منطقة الشرق الأوسط؟ وجاء ذلك بعد الإشارة إلى أن قناة الجزيرة كانت صوتا مؤثرا في المنطقة. وتم إقرار ذلك ضمن مشروع قانون أُطلق عليه برامج "دبلوماسية الرأي العام" يخصص أموالا لإنشاء قناة تلفزيون فضائية باللغة العربية تبث إرسالها 24 ساعة يوميا وموجهة للشرق الأوسط. وقد سُمّيت هذه القناة لاحقاً بقناة الحرّة. وأشار كاتب – آنذاك - في صحيفة الاندبندنت البريطانية إلى أن هناك قلقاً أمريكياً كبيراً بخصوص تأثير الجزيرة على الرأي العام العربي، مما دفع الحكومة الأمريكية في العام 2003م إلى إنشاء تلك القناة.ربما كنا اليوم أكثر قناعة بأن قيماً مثل الحرية والموضوعية في ظل ارتباط السياسة في الغرب بالإعلام تكون أقرب إلى الأطر النظرية من الفعل الحقيقي، فعلى سبيل المثال تعمل هيئة الإذاعة البريطانية من الناحية النظرية مستقلة عن الحكومات والأحزاب السّياسية والمصالح المختلفة، ولكنها تظل في النهاية خاضعة لإرادة البرلمان، وهي تعمل باعتبارها شركة بتفويض من البرلمان، وذلك لعدد معين من السنوات.. وتقدم هيئة الإذاعة البريطانية وجهة النظر البريطانية الرسمية من خلال تصريحات المسؤولين وإجراء مقابلات، وتتحقق وزارة الخارجية البريطانية من عدم تقديم الإذاعة باستمرار لمعلومات معارضة للحكومة، وتحاول وزارة الخارجية أحيانا أن تمارس سلطاتها بإرسال مسؤول صغير ليتحدث كضابط اتصال مع المسؤول المختص في الهيئة العتيقة.. في الولايات المتحدة، بات معروفاً لدى وسائل الاتصال الجماهيرية ما اشتهر بمصطلح "متطلبات الأمن القومي الأمريكي" في مواجهة "الأضرار" التي يمكن أن تصيب الرأي العام الأمريكي بالعطب أو الخلل في اطلاعه على الوقائع الحقيقية لمجريات ونتائج المغامرات العسكرية الأمريكية حول العالم.. ليس هذا فحسب بل إن نفوذ الدولة اليهودية قائم في كل مكان بشكل كبير عن طريق امتلاك الإعلام حول العالم والإشراف على القنوات الفضائية العالمية والصحافة ودور النشر ووكالات الأنباء. عبر الإعلام يقود اليهود عبر العالم بذور الفتن والشرور ليبقوا سادة العالم؛ يقول اليهودي الدكتور أوسكار ليفي في الطبعة الخامسة لكتاب بروتوكولات صهيون، ترجمة عباس محمود العقاد: "نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه، ومحركي الفتن فيه وجلاديه".. بسبب هذه العقلية اليهودية ظل موقف تركيا وهي الظهير القوي للأمة العربية والإسلامية، منذ انقلاب "أتاتورك" ولوقت قريب تجاه العرب لا يفسره إلا نفوذ اليهود في تركيا، فلو بقيت الخلافة العثمانية ـ رغم ضعفها ـ قائمة لما أمكن قيام وطن يهودي في فلسطين، فنكب اليهود تركيا لذلك بتسليط بريطانيا عليها أثناء الحرب العالمية الأولى، وكادت بريطانيا تعقد الصلح مع تركيا أثناءها، ولكن اليهود عطلوه بزعامة وايزمان رئيس إسرائيل ـ كما ذكر هو في مذكراته ـ وبمساعدة بعض النساء فهم الذين حالوا دون الصلح بينهما، حتى تخرب تركيا وتنحل خلافتها وتمتد حاجة بريطانيا بشدة إلى اليهود. كما كان لهم نصيب كبير في إلغاء الخلافة، وكان أحد الثلاثة الذين سلموا الخليفة قرار العزل يهودياً. وكان لنفوذهم أكبر الأثر في طرح تركيا دينها الإسلامي وقوانينها الإسلامي وقوانينها الإسلامية ومحاربة اللغة العربية والتبرؤ من صلاتها بالعرب.