15 سبتمبر 2025
تسجيللا يقتصر التهديد الأمني في مصر على طبيعة الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، بل يتعاظم الخطر على الحدود الغربية بشكل مطرد مع الحالة السيناوية. وكان من أحدث المؤشرات على تلك المهددات المتزايدة مقتل ستة من أفراد الجيش بينهم ضابطان يوم الخميس الفائت خلال اشتباك مع مهربين في منطقة "صخرة العمود" جنوب واحة سيوة وهي منطقة وعرة، بها الكثير من الكثبان الرملية. وقد سبق أن قتل عسكريان في فبراير من العام الجاري خلال إحباط الأجهزة الأمنية المصرية عملية تهريب كميات من الأسلحة والذخائر بمنطقة البويطي في صحراء مصر الغربية على الحدود مع ليبيا أحد معاقل مجموعات مسلحة متطرفة، بينها "ولاية سيناء" الفرع المصري لتنظيم "داعش"، الذي ينفذ بشكل متواصل، هجمات دامية تستهدف قوات الأمن والجيش في مصر.ما من شك أن الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها ليبيا حاليًا، زادت من وتيرة عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود، لاسيَّما أن عدم تأمين الحدود من الجانب الليبي أدى إلى فقدان السيطرة عليها. ومع استمرار الصراع في ليبيا، أضحت الحدود الغربية مصدر قلق متزايد للأمن والاستقرار المصري. وقد تجد مصر نفسها منخرطة في الوضع الليبي، سواء كان ذلك متدحرجًا أو مخططًا لهورغم تكرر حوادث الاشتباكات بين الجيش والمهربين إلا أنها لم تصل إلى سخونة ما شهدته المنطقة الغربية من هجمات إذا ما تذكرنا الهجوم الذي استهدف نقطة لحرس الحدود قرب واحة الفرافرة وسط صحراء مصر الغربية التي تبعد قرابة 400 كلم عن الحدود مع ليبيا وأدى إلى مقتل 22 جنديا في يوليو 2014 حيث حامت الشكوك يومها حول ضلوع الضابط المنشق هشام عشماوي الملقب بأبي عمر المهاجر زعيم تنظيم المرابطون الموالي للقاعدة في العملية.نمو تنظيم داعش في ليبيا ومحاولته التمدد إلى مناطق جديدة مع ما يمثله من ارتباط عضوي بتنظيم ولاية سيناء الذي يحاول بدوره التمدد بدوره خارج دائرة عملياته المعتادة في سيناء إلى مناطق وادي النيل يفاقم من الخطر الاستراتيجي على الأوضاع الأمنية المصرية.وبما أننا نتحدّث عن عولمة الجهاد الذي هو مرتبط بتنظيم "ولاية سيناء" أو "المرابطون". نجد أن هناك دعوات تحثّ مصر على التدخل العسكري في ليبيا، وهذا التدخل منشؤه أنّ أغلب السلاح والتمويل وربما العمل العسكري يأتي من هناك، بعيدًا من الخلاف أو الصراع مع الإخوان المسلمين. الحقيقية أن تنظيم داعش يحاول أن يستدرج مصر إلى المستنقع الليبي كحال فروع القاعدة في مصر وليبيا. فهذه التنظيمات تحركها الدوافع الأيديولوجية وليست السياسية، ولا تهتم لحجم العداء الذي تخلقه من حولها بقدر تحقيق النبؤة التي تؤمن بها. وتنظيم داعش في ليبيا أو مصر ليس حريصا على الانتصار أو الخروج بأقلّ الخسائر فهو يريد الحرب للحرب ذاتها، فالحرب تؤدي إلى الفوضى، والفوضى هي البيئة التي ينتعش فيها. وهو يحاول ملء الفراغات التي تغيب عنها الدولة القومية. وتيارات الجهاد العالمي تغذّيها الحروب وهي التي توقظها، بدليل أنّ استراتيجيته تنظيم القاعدة لسنة 2020 كانت تعتمد في جزء كبير منها على استدراج الولايات المتحدة للتورط عسكريا في الشرق الأوسط وخلق مناطق صراع ساخنة. حالة العراق على سبيل المثال أنعشت هذه التنظيمات وأسّست للسلفية الجهادية وصعودها. وقد نظّر لهذه الحالة أبو بكر ناجي في كتابه "إدارة التوحّش". على مصر إذا كانت تريد حفظ حدودها مع ليبيا وحماية مصالحها القومية فيها أن تحول دون تفكك البلاد بدعم الحكومة المعترفة بها دوليا (حكومة السراج) ثم الدخول كطرف فاعل في توازنات الشرق الليبي، بما يحجم من قدرة التنظيمات المسلحة على التأثير على المصالح المصرية.كما يتطلب الأمر بلورة استراتيجية على المدى البعيد في قراءة الوضع الليبي والتركيز على أن الاستقرار السياسي ولو نسبيا في ليبيا هو حالة يمكن التعامل معها بما يمكن القاهرة من استمرار التفاعل والتأثير. وهي حالة تتطلب الفصل بين تيار الإسلام السياسي الليبي وتداعيات الحالة المصرية من الصراع مع الإخوان المسلمين من خلال خلق مداخل مناسبة للتعامل مع هذا الفريق وعدم استبعاده بالكامل تعظيما لمكاسب مصرية في المعادلة السياسية الداخلية الليبية.