10 سبتمبر 2025
تسجيللا يمر يوم إلا ونسمع أخبارا عن عمليات إرهابية من تفجيرات ومجازر ومذابح هنا وهناك في مختلف العواصم العالمية وفي بؤر التوتر والنزاعات في العالم شماله وجنوبه وشرقه وغربه. فالظاهرة أصبحت عالمية بامتياز. ما زال الإرهاب يؤرق دول العالم قاطبة وما زال يضرب أينما أراد ومتى أراد كما أصبح ينتشر ويتفاقم يوما بعد يوم كالنار في الهشيم. كما أصبحت الجماعات الإرهابية تتفنن في توظيف الإعلام الجديد في تحقيق أهدافها المتعددة من حرب نفسية ودعاية وجمع أموال وبيانات وتجنيد الشباب من جميع أنحاء العالم...إلخ. فالإرهاب الإلكتروني أصبح من الأدوات الاستراتيجية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. يرتبط الإرهاب ارتباطا وثيقا بالإعلام، فالهدف الأول والهدف الإستراتيجي لأي عملية إرهابية هو الحصول على تغطية إعلامية تتميز بالتهويل والتضخيم والترهيب والتخويف، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير للتأثير على الرأي العام ومن ثم التأثير على صانع القرار. فخلال العقود الماضية اعتمد الإرهاب على وسائل الإعلام التقليدية، لكن بظهور وانتشار الإعلام الجديد والمتمثل في الإنترنت والشبكات الاجتماعية لم تتأخر ولم تتوان الجماعات الإرهابية المختلفة وعلى رأسها القاعدة وداعش في الاستغلال الأمثل للإعلام الجديد لتحقيق أهدافها والوصول إلى الجماهير المختلفة. فالإعلام الجديد أدى إلى ظهور ما يسمى بالإرهاب الإلكتروني الذي غزا الفضاء الافتراضي وأصبحت هناك الآلاف من المواقع تستغلها الجماعات الإرهابية لأغراض الدعاية ونشر المعلومات وتجنيد الشباب وجمع الأموال والاتصال والتخطيط والتنسيق...إلخ. ويعتمد الإرهاب الإلكتروني على استغلال الإمكانات العلمية والتقنية. واستخدام وسائل الاتصال والإنترنت من أجل تخويف وترويع الآخرين وإلحاق الضرر بهم، أو تهديدهم وتدمير مرتكزات التنمية في البلاد ونشر الفوضى والدمار وإهدار الدماء ونشر الإشاعات الكاذبة بين الناس مما يؤدي لنشر الخوف والهلع بين الجمهور. الإعلام الجديد وفّر فرصا عديدة للجماعات الإرهابية لتنافس الأنظمة. وأجهزة الأمن والمخابرات، وأعطى مدلولا آخر للإرهاب يتمثل في الإرهاب الإلكتروني والذي يعتبره الكثيرون أخطر من الإرهاب التقليدي نظرا لكون الإرهاب الافتراضي أكثر خطورة وانتشارا لأنه يصل إلى مئات الملايين في ثوان معدودات. أصبح اليوم الحاسب الآلي وكاميرا الفيديو المحمولتين باليد أكثر أهمية وخطورة من الكلاشينكوف و(الآر بي جي). ولقد استغل الإرهابيون الحاسب الآلي والكاميرا إلى أقصى حد ممكن فأصبحت تقدم أدلة عسكرية ودورات تدريبية على شكل كتب وأفلام ووسائط متعددة وشرائح الباور بوينت تحتوي على معلومات شتى مثل أنواع الأسلحة والتكتيكات والاغتيالات وصنع المتفجرات والأساليب والعبوات الناسفة والآليات المختلفة لتنفيذ العمليات الإجرامية والانتحارية. لقد ظهر التناغم والتكامل بين الإنترنت والإرهاب بشكل جلي وواضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فلقد انتقلت المواجهة ضد الإرهاب من مواجهة مادية مباشرة واقعية إلى الفضاء الإلكتروني، حيث أصبح الإنترنت من أشد وأكبر الأسلحة الفتاكة. ولقد استخدم الإرهابيون الإنترنت في معركتهم على عدة محاور أهمها: أن يصبح الإنترنت عاملًا مساعدًا للعمل الإرهابي التقليدي المادي، وذلك بتوفير المعلومات المهمة والضرورية عن الأماكن الحساسة والمستهدفة أو كوسيط في عملية التنفيذ. وثانيًا، استغلال تأثير الإنترنت العضوي والنفسي من خلال التحريض على بث الكراهية والحقد وحرب الأفكار. وثالثًا، أنه يعطي صورة رقمية دقيقة من خلال استخدام آلياته الجديدة في معارك تدور رحاها في الفضاء الإلكتروني والتي لا يقتصر تأثيرها على بعدها الرقمي بل تتعداه لتحقيق أهداف أخرى.قدم الإعلام الجديد خدمة لا مثيل لها للجماعات الإرهابية حيث إن سهولة الولوج إلى المنابر والمحطات والتطبيقات على الشبكة وسرعتها وانتشارها عالميا سهّل مهمة هذه الجماعات في تحقيق أهدافها. لا يخفى على أحد أن الإرهاب من دون إعلام يموت وينقرض وأن الهدف الأسمى لأي عملية إرهابية هو الوصول إلى الرأي العام والحصول على العلنية وبذلك التأثير في الجماهير. تعتبر الدعاية والحرب النفسية من أهم الاستراتيجيات التي تستعملها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. ويعتبر الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ومنصاته ومنابره وسيلة تؤدي الغرض على أحسن وجه حيث حرية التصرف والتواصل واستخدام الصوت والصورة والنص والتفاعلية لتحقيق الغرض. تحصل تلك الجماعات على الدعم المعنوي أيضًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت بعض الصفحات الإلكترونية ما أسماه البعض "البيعة الافتراضية" لزعيم تنظيم داعش من جانب آلاف السلفيين الجهاديين، وجاء ذلك على أثر إعلان الناطق باسم التنظيم عن تأسيس "دولة الخلافة"، في المناطق التي يوجد فيها التنظيم في العراق وسوريا، وظهرت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي من بينها "بيعة أمير المؤمنين" و"إعلان الولاء الشرعي لأمير المؤمنين أبوبكر البغدادي" وغيرها، وهو الأمر الذي أسهم في انتشار التنظيم وتوسيع مؤيديه عبر العالم الافتراضي، وبالتالي أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تقديم الدعم للجماعات المسلحة والمساهمة في اتساع تأثيرها ووجودها. وهكذا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الأمثل للدعاية بالنسبة لـ«داعش»، إذ إنها تخدم أجندتها، خاصة فيما يتعلق بتجنيد الأفراد وتلقين الشباب أيديولوجية التنظيم. وقد أصبح واضحًا مؤخرا أن تنظيم داعش نجح في نشر جيش من المتطرفين التكفيريين الراديكاليين، فالتنظيم نجح بشكل كبير في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب وتخويف القوى المنافسة. ولقد أصبح تأثير داعش تراكميا وطويلا المدى، كما لم يعد جمهوره يقتصر على المسلمين وحدهم، فأشرطة الفيديو الخاصة بها يتم بثها على شاشات التلفزيون الغربي، بالإضافة إلى حساباته على انستجرام، وفايسبوك وتويتر. ولم يعد بالإمكان تجاهل فكر وسلوك داعش نتيجة للبيئة الرقمية التي أصبحت تميز العالم اليوم، حيث إن استخدام داعش لوسائل الإعلام الاجتماعي كوسيلة لنشر الأيديولوجية والفكر والهجمات العنيفة ليس شيئا جديدا، لكن الطريقة التي تبناها «داعش›› في استعمال وسائل الإعلام كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب ونشر الخوف والهلع على المستوى العالمي هو الجديد الذي أتقنه هذا التنظيم. والذي شكّل جيشا من الكتاب والمدوّنين وغيرهم من المتعاطفين. الشباب هم الفئة الاجتماعية المستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية للتجنيد، ويبدأ التجنيد بغرس الأفكار التي تستغرق وقتًا متفاوتًا يعتمد على ما توفره وسيلة نقل المعلومات من مواد سمعية وبصرية، ثم بعدها تبدأ مرحلة تبادل الحوارات من خلال غرف الدردشة التي تتيح للمدبر كشف شخصية من يتحاور معه ومدى إمكانية اختياره وتجنيده. تتم هذه العملية بسرعة فائقة وفي معظم الأحيان من دون تكلفة تذكر. وأخطر أنواع الشباب الذين تحرص عليهم المنظمات والخلايا الإرهابية حسب التقارير المنية هو الشاب المتفوق ولكنه المنطوي على نفسه حيث يحاول الهروب من الواقع الذي يعيش فيه ومن المجتمع لأنه يشعر بعدم الرضا عن كل شيء، ولذلك فيمكن التأثير عليه بسهولة ويكون لديه استعداد نفسي لتنفيذ ما يُطلب منه.