14 سبتمبر 2025
تسجيلحينما نطالع قصة الأسود العنسي وادعائه للنبوة فإن النتيجة التي خلصنا إليها في المقالات السابقة تتأكد لنا، حيث إن شخصية الكذاب وإجادته في إبهار الناس تجعل الناس لا يفكرون في الكلام الذي يتفوه به الكذاب ونقده لمعرفة الصواب من الخطأ.هذا يتأكد لنا عند الحديث عن شخصية الأسود العنسي كذاب اليمن، الذي ادعى النبوة في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر نبوة الرسول، بل ادعى أن هناك ملكين ينزلان عليه بالوحي هما سحيق وشفيق.وهذا الكذب كان سببا في مقتله أيضا وعدم نجاته؛ حيث جاء في تاريخ الرسل والملوك وتاريخ البلدان وغير ذلك من المصادر أن أن زوجة الأسود العنسي كانت امرأة صالحة اغتصبها الأسود وتزوجها قهرا بعد أن قتل زوجها، فتواصلت فراسلها ابن عمها فيروز الديلمي سرًّا لتعاونهم على قتل الأسود العنسي، فوافقت على ذلك، وحددت لهم ليلة، وحددت لهم بابًا لا يقف عليه أحد من الحراس، وتسلل القواد الأربعة (فيروز الديلمي وداذويه وجُشَيش وقيس بن مكشوح) إلى قصر الأسود العنسي في الليلة المتفق عليها.وحانت فرصة التحرك لتنفيذ الخطة، فدخل المجاهدون الأربعة وفتحت امرأة الأسود الباب بعد أن سقته من الخمر، فدخل عليه فيروز الديلمي في حجرة نومه، فوجده قد سكر سكرًا شديدًا، فخنقه بيده حتى ظن أنه قد مات، ولما دخل عليه القواد الأربعة ليعلنوا موته وجدوه حيًّا، فهجموا عليه، وقتله فيروز، فتقول امرأته: ما رأيت خوار رجل كخوار الأسود العنسي.وصرخ صرخة جاء على إثرها الحراس، فخرجت إليهم زوجته، وقالت: "إن النبي يوحى إليه"، فسكنوا وأمسكوا واحتز قيس بن مكشوح رأسه، ثُمَّ علا سور المدينة حين أصبح، فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر أشهد أن لا إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رَسُول اللَّهِ وأن الأسود كذاب عدو اللَّه، فاجتمع أصحاب الأسود، فألقى إليهم رأسه في باحة القصر، فانتابهم الرهبة وعمهم الخوف ففروا هاربين، وانقض عليهم المسلمون يقتلونهم، فلم ينجح إلا من أسلم منهم.فهذه القصة على طرافتها تبين ذكاء هذه المرأة في القضاء على الأسود العنسي الذي كانت نجاته محتملة، لو أن الحراس دخلوا عليه، ولكن هذه المرأة قالت إن النبي يوحى إليه، فصدقوها، وهنا أتساءل: هل كان الحراس على قناعة بما يقوله الأسود بأنه يوحى إليه؟!وأنا أفترض أنهم على قناعة، فغالبا ما يكون الحراس عقولهم ملغاة، يتبعون الأوامر فقط، ويخشى كل واحد منهم على رقبته إن خالف أوامر هذا الكذاب الذي اشتهر عنه أنه كان شديد البأس والقوة والبطش بمن يخالفه.والافتراض الآخر أن كذب هذا الرجل جعل الحراس يسكتون عن هذه المؤامرة حتى انتهى ومات، ولكنه افتراض مستبعد لأن أتباع الأسود ظلوا يقاتلون المسلمين بعدها ولم ينج أحد إلا من أعلن إسلامه.إن هذه القصة التي بدأنا الحديث عنها من مقتل الكذاب لا تزال تطرح أمامنا أسئلة أهمها: إذا كان الأسود ادعى النبوة في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم - فكيف كانت مقاومته؟ وما موقف الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كان مبعوثا من النبي – صلى الله عليه وسلم - على اليمن؟ وما السر في اتباع أهل اليمن الأسود العنسي؟ ومن هي زوجته التي قتلته؟ ذلك حديث الغد إن شاء الله.