18 سبتمبر 2025

تسجيل

الأوس والخزرج

02 يوليو 2014

عاش العرب في الجاهلية حياة امتلأت حربا، حتى كانوا يحاربون أنفسهم إذا لم يجدوا من يحاربون من عدو خارجي، ليقول شاعرهم أحيانا على بكر أخينا *** إذا لم نجد إلا أخانا ومن أجل هذه الحروب كانوا يربون أبناءهم ويسمونهم تسميات قبيحة ليرهبوا بها عدوهم، ومنهم من كان يخشى آثار الحرب من سبي النساء فيئد ابنته خشية أن يلحقه العار بسبيها بعد الحرب.وقد حفلت أشعار العرب بتسجيل لهذه الحروب التي جمعت في أيام العرب، فكل يوم من هذه الأيام يسجل موقعة حربية سواء باسم من آثار هذه الحادثة كناقة البسوس، وبسببها سميت حرب البسوس، أو باسم الموقع الذي تمت فيه مثل يوم المروت، والمروت اسم ماء حدثت عنده هذه الموقعة.وفي أتون هذه الحروب كانت تبرز دعوات عاقلة للصلح، ولهم في ذلك عادات دونها لنا الشعر الجاهلي، يقول قيس بن الخطيم:دعوت بني عوف لحقن دمائهم . . . فلما أبوا سامحت في حرب حاطبوكنت امرءا لا أبعث الحرب ظالما . . . فلما أبوا أشعلتها كل جانبأربت بدفع الحرب حتى رأيتها . . . عن الدفع لا تزداد غير تقاربفإذ لم يكن عن غاية الحرب مدفع... فأهلا بها إذ لم تزل في المراحب إن الأبيات السابقة أتت ضمن قصيدة طويلة لقيس بن الخطيم، وتعد من المذهبات - رويت في مجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك قال جلس رسول الله في مجلس ليس فيه إلا خزرجي ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم يعني قوله: (أتعرف رسماً كاطّرادِ المذاهبِ ... لعَمْرَةَ وَحْشاً غيرَ موقِف راكِبِ)، فأنشده بعضهم إياها فلما بلغ إلى قوله: ( أُجَالِدُهم يومَ الحَدِيقة حاسِراً ... كأن يدي بالسيف مِخْراقُ لاعبِ ) فالتفت إليهم رسول الله، فقال هل كان كما ذكر فشهد له ثابت بن قيس بن شماس وقال له: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه عليه غلالة وملحفة مورسة فجالدنا كما ذكر- انظر الأغاني 3/9.. وهي تروي ما حدث بين الأوس والخزرج في يوم بعاث الذي بدأت شرارته منذ أن علمت الخزرج بتحالف يهود بني قريظة مع الأوس، مما دفع الخزرج لمخاطبة بني قريظة بأن يخلوا بينهم وبين إخوانهم وأخذوا منهم أربعين غلاما؛ ضمانا للاتفاق الذي أرادت الخزرج أن تستغله لصالحها حيث طلبت من بني قريظة أن تترك بيوتها وإلا قتلوا رهائنهم، فأبوا فحنقت بنو قريظة على الخزرج وتحالفت مع الأوس التي جمعت للخزرج من القبائل الكثير واستعدت الخزرج بجمع مثله، وهزمت الأوس في البداية ثم انتصرت بعد ذلك، وعفت عن الخزرج ولم تعمل فيهم الحرق والقتل (أيام العرب ص73).وفي هذه القصيدة يذكر ما حدث عند لقاء الخزرج في يوم بعاث، حيث إن الخزرج هم من بدأوا الاعتداء، وقد دعا بني عوف لحقن الدماء فأبوا، فتابع في الحرب حاطبا الذي كان حليفا لهم وقتل.ويبين قيس بن الخطيم أنه مثل قومه لا يبدأون بالحرب ولا يظلمون أحدا، حيث إن تسميتهم بالأوس لاتساعهم في الأمور، حيث روي أن حضير الكتائب لما هزمت الخزرج جاء قال لقيس الأسلت: إن رأيت أن نأتي الخزرج قصرا قصرا ودارا دارا، نقتل ونهدم حتى لا يبقى منهم أحد، فقال أبو قيس: والله لا نفعل ذلك، فغضب حضير وقال: والله ما سميتم الأوس إلا لأنكم تؤسسون الأمر أوسا، ولو ظفرت الخزرج بمثلها ما أقالونا، ثم انصرف إلى الأوس وأمرهم بالرجوع إلى ديارهم- انظر أيام العرب ص78. ولكن الحرب التي حاول الشاعر الابتعاد عنها ازدادت قربا منه، وما على الأوس بعدها إلا أن تخوض غمار الحرب، فمشت إليها ليوثا كالمطر الكثيف، ثم انتصروا، ويختم الشاعر هذا المشهد بأن الحرب إذا لم يكن منها مفر فمرحبا بها؛ لتظهر الشجاعة ويكون الثبات.. إنها دعوة للصلح قوبلت بالحرب التي اشتعلت مرة أخرى، فكيف تم الصلح بين الأوس والخزرج؟.. هذا ما سنعرفه غدا إن شاء الله..