13 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن الفجوة الصناعية بين الدول الخليجية والدول المتقدمة تبدو واسعة أو سحيقة بدرجات متفاوتة، رغم أن دول المنطقة حققت، بفضل الطفرة النفطية إنجازات ملموسة في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية، وارتفاع مستوى الدخل، وهذا لا يكفي إذا لم تأخذ زمام المبادرة من خلال اقتصادات مبنية على المعرفة، والتركيز على صناعات القيمة المضافة، وتعزيز التخصص في الصناعات الجديدة والعمل على خلق أسواق تجارية خارجية جديدة لها، في ظل الإجراءات الحمائية التي تتخذها الأسواق الأوروبية والآسيوية ضد ما يرد إليها من الخارج، في إطار بلورة إستراتيجية موحدة للتنمية، مع التنسيق المشترك لتطوير الصناعات التقنية الدقيقة والمتطورة ونقلها وتوطينها، وتبني صناعة المعرفة بدول الخليج، باعتبار أن الصناعة الوطنية الخليجية لها دور كبير في دعم وتنمية الاقتصاد، وهذا هو التحدي الأكبر في ظل المنافسة الأجنبية ومحاولات الإغراق المتكررة من قبل الدول الصناعية الكبرى التي تغزو الأسواق الخليجية بخطط وخطوات حثيثة ومنظمة بدقة متناهية بعد أن تمت أكبر عملية مسح لاحتياجات ومتطلبات المستهلكين في منطقة الخليج على مدار عدة سنوات، تبعتها عمليات إغراق منظم بالصناعات المتطورة والرخيصة والتي تتمتع بالتكنولوجيا العالية والأجيال الذكية من الصناعات المتقدمة، التي تهدد القطاع الصناعي الذي يعد المحرك الأساسي في عمليات التحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الإنتاجي القادر على استيعاب التحديات التي تواجه الاعتماد على مصادر وحيدة للدخل، وربما على مصادر لا تتوافر لها الاستدامة، لأنها عرضة للنضوب أو زيادة تكلفتها الإنتاجية التي تفقدها جدواها الاقتصادية، كما هو الحال في المنتجات النفطية، لذلك لابد من التركيز على إيجاد قاعدة قوية من الصناعات التي تقود الاقتصاد الخليجي إلى الأمام على أسس ومفاهيم تحقق القيم المضافة الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي، بعيدا عن جلباب النفط والطفرات التي عاشتها المنطقة في العقود الأخيرة، والتركيز على صناعات المعرفة الحديثة، لأنها أهم المرتكزات للتقدم والتنمية، التي يمكن من خلالها أن تتحول دول مجلس التعاون الخليجي إلى قاعدة صناعية تسهم من خلال إيراداتها في زيادة الدخل الإجمالي لدول المجلس في مواجهة المتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية وتأثيراتها السلبية غير المتوقعة التي يمكن أن تعصف بكثير من الاقتصادات وحتى ببعض الدول، التي تظل مستوردة للسلع والمنتجات المعرفية، بعد انتهاء عصر الاحتياج إلى المواد الخام والأيدي الرخيصة، الذي حل محله عصر الاعتماد على العقول والعلوم والمعرفة وأصبحت قوة الدول تكمن في مصادر ثرواتها، من إنتاج العقول، وهذا هو المعيار الذي سيتم تقسيم العالم على أساسه بين الفقر والغنى، حيث ستصبح الميزة التنافسية فيما يصنعه عقل الإنسان وليس ما تقدمه الطبيعة، وعلى ذلك علينا الاهتمام بإقامة الصناعات المشتركة القائمة على المعرفة حتى تحمينا من استغلال الآخرين، وحتى لا تصبح المنطقة العربية، وليست الخليجية فقط، أسواقًا واعدة تتصارع عليها صناعات الدول الكبرى من الشرق والغرب حتى الصين والهند واليابان، اسغلالا للشروط الكامنة في اتفاقيات منظمة التجارة الدولية واتفاقيات التجارة الحرة الثنائية التي تفرض علينا الالتزام بهذه الشروط وتلك البنود التي تكبل الدول النامية على المدى الطويل، لذلك من الضروري أن يتم بناء منظومة صناعية خليجية معرفية متكاملة تقوم على أسس من الترابط والتكامل، تمكن من إنشاء مدن صناعية حديثة تتبنى المشروعات التنموية العملاقة؛ لأن ذلك هو السبيل للوصول إلى مرحلة التصنيع الحقيقي، والاندماج الاقتصادي الخليجي من خلال الدور المحوري الذي يمكن أن يتصدى له القطاع الصناعي المعرفي في المنطقة الخليجيّة من أجل تأكيد وتحقيق الهدف الذي تصير فيه منطقة الخليج قاعدة للصادرات الصناعية المتطورة في العالم، لأن الصناعة هي المحرك الأساسي في عمليات التحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الإنتاجي، ولاسيَّما أن اقتصادات الخليج تتمتع بفوائض نفطية هائلة تكونت في السنوات الماضية.