13 سبتمبر 2025

تسجيل

إطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين في ليبيا

02 يوليو 2014

أعلن رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السيد مهدي جمعة مساء يوم الأحد 29 يونيو الماضي عن إطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين اللذين اختطفا في وقت سابق، وهما: المستشار القانوني بالسفارة التونسية في طرابلس العروسي القنطاسي، والموظف في السفارة محمد بن الشيخ. ويعود الفضل لإطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين إلى الجهود التي بذلتها السلطات التونسية بالتنسيق مع السلطات الليبية، حسب تصريح رئيس الدبلوماسية التونسية السيد منجي حامدي، الذي رفض إعطاء أي معلومات حول ظروف إطلاق المخطوفين، مؤكداً أن أي فدية لم تعط، وبأن المفاوضات جرت على قاعدة المبادئ الثلاثة التالية: "حفظ أمن المخطوفين، والمحافظة على هيبة الدولة، ورفض التفاوض تحت الضغط". وأضاف الوزير التونسي، بأن المفاوضين الذين تعاملنا معهم، هم السلطات الليبية، ولم نعرف من هم الخاطفون، ولا ماذا يريدون؟ وكانت مجموعة ليبية تطلق على نفسها "كتيبة الشباب التوحيدي" وراء اختطاف الدبلوماسيين التونسيين، في شهر أبريل الماضي، وهي كتيبة خطيرة حسب رأي المحللين الملمين بالشأن الليبي، تضم العديد من الجنسيات ولها فروع في كل من ليبيا وتونس ومصر ولبنان، والعديد من البلدان العربية، وهي متفرعة من تنظيم "أنصار الشريعة" المتشدد المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فقامت بخطف السفير الأردني في ليبيا فواز العيطان، في 15 أبريل الماضي في العاصمة الليبية طرابلس. وقبل الأردن كانت مصر هدفاً للسيناريو نفسه، إذ جرى اقتحام السفارة المصرية في يناير 2014 واقتياد السفير المصري مع أربعة دبلوماسيين آخرين مختطفين إلى جهة مجهولة، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد رضوخ مصر لمطالب الميليشيات بإطلاق القيادي الإخواني الليبي شعبان هدية الملقب بـ"أبو عبيدة الزاوي" وهو قائد ميليشيا تدعى كتائب ثوار طرابلس، واعتقل في مصر بجريمة تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة في يناير الماضي. لمصر طبعاً الحصة الأكبر من إرهاب الميليشيات الليبية المنخرطة في زعزعة استقرارها، لكن الموضوع لم يعد مقتصرا على مصر لوحدها، بل إن فائض الإرهاب في ليبيا خرج عن السيطرة وبدأت سيوله تتسع وتصبح أكثر قوة في ضرب دول الجوار، لاسيَّما تونس والجزائر.. ولكن هل يكفي- للنجاة- حصر الإرهاب داخل الحدود الليبية، ولماذا إبعاد ليبيا عن جهود مكافحة الإرهاب وهي التي باتت المقر والمصدر له، هل يعني ذلك ترك ليبيا لمصيرها.. رغم أن السلطات التونسية، نفت دفع فدية للمختطفين، فإن الاعتقاد السائد في تونس، أن كتيبة "درعة" هي من تقف وراء عملية الاختطاف للدبلوماسيين التونسيين، لاسيَّما أنها كانت سبباً في غلق المعبر الحدودي لرأس جدير بين تونس وليبيا، وهي تنفذ عملية الاختطاف بهدف الحصول على مبالغ مالية ضخمة، وعمليات ابتزاز، إذ غنمت من عمليات اختطاف سابقة حوالي 2 مليون دينار ليبي.وحول طلبات الكتيبة التي شاركت في عملية الاختطاف، فإنها كانت تطالب السلطات التونسية، بإطلاق سراح السجينين الليبيين المتورطين في عملية الروحية الإرهابية بتونس، وهما: حافظ الضبع المكنى بأبو أيوب، وعماد اللواش المكنى بأبو جعفر الليبي، إلى جانب المطالبة ببعض الليبيين من الإرهابيين الذين نشطوا بجبل الشعانبي، وأسهموا في بعض العمليات الإرهابية، وهو حاليا قيد السجون التونسية.ولم تستبعد السلطات التونسية أن يكون وراء عملية اختطاف الدبلوماسيين التونسيين الإرهابي التونسي رقم واحد أبو عياض زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي المصنف منذ شهر أغسطس 2013، تنظيما إرهابياً.لا شك أن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية صعبة، بعد أن ورثت مؤسسات دولة ضعيفة وفي ظل غياب الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وفشل المجلس الوطني الانتقالي، والحكومة الليبية الحالية في كبح جماح الميليشيات المنتشرة في كامل التراب الليبي، والتي تمارس عمليات النهب المنظمة لثروة الشعب الليبي من نفط وغيره، واختطاف الدبلوماسيين العرب، وهذا ما جعل الشعب الليبي يعيش مع تركة قاسية جداً. وتُعدّ الميليشيات الخارجة عن القانون التحدي الأكبر في ليبيا ما بعد القذافي، لاسيَّما بعد أن عجز المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الليبية عن إعادة دمج المقاتلين المسلّحين في صفوف الجيش الليبي، إذ كانت نتائج هذا التوجه محدودة للغاية، وواجه صعوبات كثيرة. ففي ظل فشل الحكومة في احتواء الميليشيات، تتجه ليبيا نحو الحرب الأهلية، لاسيَّما أن زعماء الميليشيات رفضوا تسليم أسلحتهم من منطلق أنهم لا يثقون في القادة الجدد، وفيما يمكنهم تحقيقه من مكتسبات في حال تجردوا من أسلحتهم. وحسب رواية البنتاجون، فإن ليبيا تحولت إلى "مغناطيس" للإرهابيين، هذا ما قاله ديريك شالوت مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي في شهادة أمام الكونجرس الأمريكي، بأنه من الواضح أن ليبيا تحولت إلى نقطة جذب للمتطرفين، وأن الجماعات الإرهابية تذهب حاليا إلى هناك. وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية أدلوا بشهادتهم أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب إن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 100 مليون دولار على مساعدات ليبيا ولكنها تواجه صعوبة في إعادة بناء البلاد بسبب عدم وجود الأمن للشخصيات الأمريكية العاملة هناك.واتهم مشرعون أمريكيون على الفور الإدارة الأمريكية بالإهمال وقال النائب اد رويس رئيس اللجنة بأن الجماعات الإرهابية كما هو واضح من إفادات البنتاجون تتخذ ليبيا كساحة تدريب، في حين تنزلق البلاد إلى حالة من الفوضى، مؤكداً بأن نقص الاهتمام من قبل القيادة الأمريكية للسماح لليبيا بالمرور في المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية قد أدى إلى عدم إنجاز المهمة كما ينبغي. وقال النائب ستيف شابوت إن الوضع الليبي يحتل مرتبة عالية جدا في لائحة الخيبة الأميركية. وقد حققت الجماعات المتطرفة أكبر نجاح لها في ليبيا عندما اقتحمت القنصلية الأمريكية في بنغازي ووحدة المخابرات الأمريكية المركزية وقتلت أربعة من بينهم السفير الأمريكي كريس ستيفنز في الحادي عشر من سبتمبر عام 2012. وتسعى وزارة الدفاع الأمريكية إلى تعزيز الأمن في ليبيا عبر تدريب 8 آلاف من قوات الأمن العامة ولكن القيادة المركزية الأمريكية لإفريقيا لم تبدأ بعد في إنجاز هذه المهمة. وقال ديريك شالوت بأن العمل تباطأ نظرا لعدم القدرة على تحديد الليبيين الذين سيتم تدريبهم، فضلاً عن عدم وجود مكان آمن للتدريبات.وأوضح شالوت أن الخطة الأمريكية لتدريب قوات ليبية ستمتد إلى 8 سنوات وبكلفة تزيد على 600 مليون دولار ولكن الحكومة الليبية لم تبدأ بعد في دفع تكاليف التدريب في حين أعربت عدة دول أوروبية، خاصة إيطاليا، عن استعدادها لدفع التكاليف من جيوبها الخاصة وذلك لخوفها من تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين على أراضيها. وأضاف المسؤول الأمني الأمريكي أن إيطاليا بالذات تراقب حركة تدفق هجرة هائلة تخرج من ليبيا وهي قلقة من وجود خلايا متطرفة بين المهاجرين. وقال آن باترسون مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بأن هنالك مخاوف من أن بعض مخزونات أسلحة القذافي والتي تشمل صواريخ أرض ـ جو قد رحلت بطريقة ما إلى سوريا وغيرها من البلدان، مضيفا بأن انتقال ليبيا لتشكيل حكومة ديمقراطية يتطلب مشاركة مكثفة من قبل الولايات المتحدة لسنوات عديدة. ويتخوف المجتمع التونسي، ومعه المجتمعات المغاربية، وكذلك المجتمع الدولي من الوضع الأمني الداخلي في ليبيا الذي تهيمن فيه الميليشيات القبلية والإسلامية، بل يذهب خوفه الأكبر إلى الأسلحة والمتفجرات المنتشرة على الأراضي الليبية والتي يتم تهريبها إلى تونس، والجزائر، عبر دول الجوار من تشاد إلى مالي والنيجر ونيجيريا وغيرها.والمشكلة الحالية التي باتت تقلق الشعب التونسي، تكمن في إمكانية وصول الأسلحة المهرّبة من ليبيا إلى مجموعات إرهابية، مثل تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي، المرتبط عضويا بتنظيم "القاعدة والمغرب الإسلامي" و"بوكو حرام" النيجيرية، وغيرها من التنظيمات الإجرامية.