13 سبتمبر 2025
تسجيلإن الكذاب لن تكون أخوته صادقة، ولا معاملته صادقة، ومن ثم فلن يكون الكذاب زعيماً صادقاً، ولا حاكماً صادقاً، ولا عالماً صادقاً، ولا موظفاً صادقاً، ولا عاملاً صادقاً، ومن هنا لم يجمع علماء الأخلاق، وعلماء النفس على الإشادة بفضيلة كفضيلة الصدق، وخطر رذيلة الكذب على الأفراد والجماعات.. ولو استعرضنا مشاكل العالم كله، لوجدناها ترجع إلى شيء واحد هو الكذب: كذب السياسي على شعبه، وكذب الرئيس على أمته، وكذب الحزب على أعضائه، وكذب النائب على ناخبيه. ولو صدق هؤلاء جميعاً لاستفاضت الثقة واستقامت الحياة، واطمأن الناس بعضهم إلى بعض. عين أبوبكر في خلافته عمر للقضاء بين الناس، فمكث سنة لا يختصم إليه اثنان.. لماذا؟ لأن الصدق الذي يحجز كل واحد من المتنازعين عن أن يصور الخلاف لنفسه كما يشتهي، بل يصوره كما تصور في الواقع والحق، فإذا هو ينصف الحق من نفسه إذا كان ظالما، ويرد الحق إذا كان معتدياً، ويتنازل عن حقه إذا كان مجنيا عليه.. وبهذا لم يحتج الناس إلى عمر ليقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.. إن الصدق وإن كان أساس الفضائل النفسية، إلا أنه ضرورة من ضرورات الاجتماع. فالزعيم الصادق أنجح الزعماء مسعى وأكثرهم اتباعاً، والسياسي الصادق أكثر السياسيين تأييداً من الشعب.. لقد كانت أمتنا من أشهر الأمم بالصدق، حاكمها أصدق حكام الدنيا، وعالمها أصدق علماء الأرض، وقائدها أصدق قادة الجيوش، وبذلك كانت كلمة العهد والأمان تصدر من قائد من قوادنا أقوى من المعاهدات السياسية والعسكرية التي توقع في وقتنا الحاضر بين الدول، ثم لا يكون لها من القيمة أكثر من قيمة الورق الذي كتبت عليه. ومن هنا كانت الأزمة التي يعانيها العالم اليوم، أزمة الثقة بالوعود والأقوال.. إن هيئة الأمم تشهد كل يوم زعماء الدول الكبرى يتنافسون على الدعوة إلى الإسلام، والتشهير بالعدوان، ولو صدقوا جميعا في وعودهم وعهودهم، لما كان على وجه الأرض نزاع ولا شقاء ولا حروب.. ولكنهم جميعا لا يثق بعضهم ببعض، وبذلك أخفقت المفاوضات وفشلت المؤتمرات، بل فشلت هيئة الأمم نفسها في تنفيذ مبادئها.. لماذا؟ لأن أقوى الدول – أيها الشباب – في هذه الهيئة يكذب على أضعف الدول فيها بما تسرف من وعود، وبما تقول من أحاديث.. قل مثل ذلك في حياتنا السياسية.. فلو كان زعماؤنا ورجال أحزابنا يثق بعضهم بأقوال بعض، لما وصلنا إلى هذه الحالة المؤسفة من الفوضى وعدم الاستقرار. ونستطيع إذن أن نؤكد مرة أخرى أن مشكلة العالم كله اليوم تبدأ من فقدان الصدق، وانتشار الكذب.. الكذب في الأقوال، والكذب في الأعمال، والكذب في النيات، والكذب في المظاهر، فليس غريباً إذن أن تقف الشرائع كلها متشددة في خلق الصدق، منكرة رذيلة الكذب. فالإسلام يجعل الصدق قرين التقوى، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، التوبة: 120. والكذاب لا ينجح في حياته، حيث يقول تعالى: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)، "المؤمن 28". أما بعد، فما أجدر الساسة والزعماء، ورجال الأحزاب بأن يتحلوا بالصدق لتستقيم حياتهم فتستقيم حياة الأمة، وما أجدر المربين أن يربوا أبناءنا وبناتنا على الصدق حتى ينشأوا كراما مطبوعين على الجرأة والعفة والأمانة.