17 سبتمبر 2025
تسجيلمن خلال متابعتنا لما يدور حول التعليم المستقل "المدارس المستقلة" من جدل وجدال وضجة إعلامية صحفية وإذاعية عبر صحفنا المحلية وبرامجنا الإذاعية باعتباره النظام التعليمي الوحيد المتاح حاليا، واعتبارا من بداية العام الدراسي القادم وفقا لآخر التصريحات الرسمية، والتي أعقبت جلسة مجلس الشورى التي تمت فيها مناقشة القضية وتقييمها من وجهة نظر أعضاء المجلس لما لاحظوه من شكاوى وتذمر وإحباط واستياء وسخط أولياء الأمور في جميع مراحل التعليم من سلبيات هذا النظام وما يشوبه من قصور، لاحظنا أن هناك أخذاً ورداً، وشداً وجذباً، وغمزاً ولمزاً، وتصريحاً وتلميحاً، وتشكيكاً وتجريحاً، واتهام أولئك الكتاب أصحاب الأقلام الحرة بالتخلف أحيانا، وبمعاداة التجديد والتغيير والتطوير والنجاح أحيانا أخرى من قبل أصحاب التراخيص والمؤيدين لهذا النظام، والمدافعين عنه ضد كل ما يكتب من وجهات نظر لا تتوافق مع وجهات نظرهم الشخصية. وتعليقا منا على ذلك، فلا نرى ما يدعو لكل هذا التشنج والتعصب والغضب غير المبرر على ما يكتب من نقد بنّاء يخدم القضية الوطنية الأولى (التعليم) في نهاية المطاف. فكلنا مع التغيير والتجديد والتطوير، ولكننا لسنا مع التجديد لمجرد التجديد، ولسنا مع أي تغيير، بل مع التغيير للإصلاح والتحسين والارتقاء بالعملية التعليمية، ونرى أن كل ما يكتب من آراء ووجهات نظر تصب جميعها في هذا الاتجاه حيث الحرص على الأداء الأفضل، ووفقا لمعايير المنطق والموضوعية المبنيّة على الأسس العلمية للتغيير المستهدف. ونتيجة لما كُتب، وما أُذيع من انتقادات موضوعية مستندة إلى واقع ملموس ومحسوس يراه كل متابع لسير العملية التعليمية من أفراد المجتمع، واستجابة لنداء التقطير، وتقطير الهيئة التدريسية في المدارس المستقلة، اتخذت هيئة التعليم خطوتها الأولى إلى الأمام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة المدارس المستقلة، وما يرافقها من دعاية وإعلان وتلميع وبهرجة إعلامية، والعمل على حل مشكلاتها التعليمية وغير التعليمية مع الطلبة وأولياء أمورهم، وتحسين صورتها في عيون أفراد المجتمع القطري الساخط، فبادرت بمد جسور الاتصال والتواصل مع موظفي وزارة التعليم والتعليم العالي من خلال اجتماع موسع جمع قادة المجلس الأعلى للتعليم بأقطاب الوزارة أملا في استقطاب ما يمكن استقطابه من الكوادر الوطنية التربوية المؤهلة من معلمين وموجهين وإداريين وخبراء تعليم، وتشجيعهم على العمل في التدريس في المدارس المستقلة بهدف التقطير من جهة، وتطبيب التعليم المستقل العليل من جهة أخرى. ويبدو للعيان، والمتابعين لمجريات الأحداث من خلال الصحف المحلية، ووسائل الإعلام الأخرى، أن البادرة جيدة لاحتوائها على مضامين مشجعة كثيرة معلنة بوضوح، مثل الراتب الأساسي وفقا لبنود ومواد قانون الموارد البشرية، وما يرافقه من بدلات وعلاوات، ومكافآت، واستحقاقات، وغيرها. ناهيك عن العلاوات التشجيعية المقترحة من قبل هيئة التعليم، مع التأكيد على ضمان الأمن الوظيفي للعاملين بهذه المدارس، وكل هذه مضامين مادية. أما فيما يتعلق بالمضمون المعنوي، غير المباشر، فيكمن في الاجتماع ذاته، فمجرد الاجتماع مع أطباء التعليم القدامى وخبرائه لبحث مشكلات التعليم الجديد وعلله، وتشخيصها لعلاجها، يعتبر في حد ذاته رد اعتبار لكل معلم محيّد ومغيّب عن مشروع التعليم الجديد منذ انطلاقته الأولى سنة 2004، حيث ينظر إليه على أنه عبء على التعليم لمرحلة جديدة، ودواء قديم لا يصلح لعلاج العلة الجديدة. ففي العرض من وجهة نظرنا المتواضعة رد اعتبار للمعلم الممارس لعمله حاليا (المتواجد على الساحة التعليمية، وعلى رأس عمله) من جهة، وللمعلم المُسَرّح من الوظيفة، والمحال على التقاعد أو على البند المركزي لعدم صلاحيته لمرحلة تعليم جديدة من جهة أخرى. وهذا يعني أنه لا غنى عنك أيها المعلم في أي مرحلة تعليمية كانت، فأنت الطبيب المداوي، والقادر بعلمك وخبراتك الميدانية على تشخيص العلل والمشاكل التعليمية، وتحديد أسبابها، والعمل على علاجها من جذورها. ولنا مع هذا العرض التشجيعي وقفة. فلا شك أن هذه الإغراءات سخية ومجزية، ولكنها لا تتعدى في مضمونها العام الإطار المادي البحت لتعلقها في المقام الأول بالناحية المالية للمعلمين، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وهذا مطلوب دون شك، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون مغريا لكل الكوادر التربوية الوطنية، ولذا، فربما تكون هذه المغريات كفيلة باستقطاب بعض هؤلاء المعلمين والمعلمات للعمل في المدارس المستقلة، إلا أنها غير كافية لاستقطاب كل الكوادر الوطنية الجيدة، وذلك لأنها لم تدق على الجرح الحقيقي لمشكلة العزوف عن المهنة والنزوح منها. وذلك لأن الوضع المادي للمعلم في هذه المرحلة التعليمية ليس هو السبب الوحيد في رفض الالتحاق بالتدريس في هذه المدارس، بل هناك سبب وجيه آخر، وربما رئيسي، ويشكل هاجسا كبيرا لفئة ليست بالقليلة من هؤلاء المعلمين، وهي لغة التدريس الأعجمية (الإنجليزية)، وليست العربية حيث يجد الكثير من المعلمين والمعلمات انفسهم أمام عقبة كبيرة في التعامل والتواصل مع بني جنسهم والمتحدثين بلغتهم الأم ومواطنيهم بلغة غير لغتهم الأصلية القادرين من خلالها على الاتصال والتواصل وتوصيل المفاهيم بسهولة وسلاسة وطلاقة دون تعثر وارتكاب أخطاء لفظية وارتباك وحرج، وربما سخرية في كثير من المواقف من قبل المتعلمين الذين ربما يكونون ملمين بهذه اللغة بحكم مراحلهم السنية والتصاقهم بوسائل الاتصال المعاصرة مثل الكمبيوتر والانترنت والقنوات الفضائية والإعلام الغربي وثقافته غيرها. ومن هنا، وتعزيزا لمحاولة الاستقطاب هذه، نناشد قادة التعليم لمرحلة جديدة أن يحَكّموا العقل ويسيّدوا المنطق، ويصححوا المسار، ويتخلوا عن المكابرة، ويكملوا إحسانهم، ويعزّزوا عرضهم السخي ويوسعوه ليشمل لغة التدريس وتعريبها، وتعظيمها حيث عظمها الله سبحانه وتعالى وكرمها باختيارها لغة لكتابه العزيز "القرآن الكريم". وفي هذا التزام بقرار مجلس الوزراء الخاص باعتماد اللغة العربية لغة رسمية للدولة، وتفعيل لقرار وزيرة التربية والتعليم السابقة من بعده باعتماد اللغة العربية لغة اتصال وتواصل داخل الصفوف الدراسية في المدارس المستقلة. وبذلك تلقى هيئة التعليم قبولا لعرضهم السخي من قبل معلمي ومعلمات الوزارة دون تردد خصوصا في ظل ما رافق هذا العرض من امتيازات وضمانات، وإغراءات مالية، وعلاوات، وبدلات، وأمن وظيفي، واستقرار نفسي. فالتدريس بلغة غير لغة المعلم والمتعلم الأصلية عبث واستهزاء ومهانة لكرامة المعلم غير المتقن لهذه اللغة، وتشويه لصورته أمام المتعلمين، وخصوصا أننا أمة "اضحك".. نضحك على بعضنا البعض عند ارتكابنا لأي خطأ، ونتصيد أخطاء بعضنا البعض، ونسخر من بعضنا البعض في حالات التعثر في الحديث، وغياب الطلاقة والسلاسة في المواقف التعليمية أمام المتعلمين. فالمعلم بمظهره وعلمه وأساليب تدريسه ولغته الواضحة وطلاقته وسلاسة حديثه يعتبر نموذجاً وقدوة حسنة للمتعلم، وبذلك ترتقي مكانته الاجتماعية، وتتشكل صورته في ذهن المتعلمين، وأي خدش في هذه الصورة يؤثر سلبا على مكانته في الصف أمام المتعلمين أولا، وفي المجتمع ثانيا. أما التدريس باللغة العربية من قبل المتحدث بها والمتقن لمفرداتها بنسبة 100%، والملم بصغائرها، والمطلع على خفاياها، يضمن تفاعلا صفيا، وتعليما جيدا، وتعلما نافعا. وذلك نتيجة لقدرة المعلم القطري، بحكم ثقافته العربية على توصيل الرسالة العلمية والمحتوى العلمي التعليمي من حقائق ومفاهيم ومبادئ وقيم تربوية بكفاءة عالية إلى جمهوره وتلاميذه المتحدثين بنفس اللغة، والمنتمين إلى نفس الثقافة، والملمين بمفرداتها حيث إنها بالنسبة لهم لغة اتصال وتواصل فعالة. وليس هذا فحسب، بل هي لغتهم الأولى، ولا يعرفون غيرها في التواصل مع بعضهم البعض في الصف والمدرسة والحي والبيت، فلماذا التواصل بينهم وبين معلمهم بلغة غيرها. وما ذنب المعلم القطري المتميز والملم لمادته العلمية إذا لم يتقن التحدث باللغة الإنجليزية والتواصل من خلالها؟ وهل يعقل لهذا المعلم القطري في بلده وعلى أرضه في هذه المرحلة الجديدة من التعليم أن يختار بين التدريس باللغة الإنجليزية أو الخروج من الميدان التربوي لأن لغته العربية لا تصلح للتدريس في هذه المرحلة؟ فأين يذهب هذا المعلم؟ وأي باب يطرق في ظل غياب الخيارات الأخرى من نظم التعليم؟ فهذا يعني أنه لا مكان لهذا المعلم في بلده وعلى أرضه؟ وهناك حالة واقعية ماثلة أمامنا وردت عبر برنامج "وطني الحبيب صباح الخير" في أسبوعه الأخير لهذه الدورة الإذاعية، وهي حالة معلم الأحياء القطري المؤهل الذي تقدم لوظيفة مدرس في مدرسة مستقلة، ولم يقبل طلبه لأنه لا يتقن التحدث والتدريس باللغة الإنجليزية؟ فما مصير هذا المعلم "المواطن"، وغيره من المعلمين الآخرين من أمثاله؟ سؤال يبحث عن إجابة منطقية تخاطب العقل وتحترمه، ولا تغيبه وتستغفله. وختاما، نضم صوتنا إلى صوت زميلنا في الميدان التربوي السيد راشد الفضلي، ونتفق معه في كل مقترحاته الرامية إلى تحسين الوضع التعليمي والارتقاء بالعملية التعليمية، واستقطاب الكوادر الوطنية للمساهمة في التعليم لمرحلة جديدة. (جريدة الشرق.. العدد رقم 7672.. الخميس 18 يونيو 2009).