14 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا تستهدف الحرب الاقتصادية كأس العالم؟

02 يونيو 2019

دول الحصار سعت لتوظيف عامل الصدمة لزعزعة استقرار العملة القطرية سحب دول الحصار ودائعها رافقته حملة إعلامية لإثارة الارتباك والتوتر استنزاف الاحتياطيات وارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم كانا هدفاً للحصار استهداف استقرار قطر كان أدق وأخطر مراحل الحرب الاقتصادية أولا: يجب القول إن هدف الحرب الاقتصادية أبعد وأخطر من مجرد سحب تنظيم بطولة كأس العالم من قطر. هدفها النهائي كان هو زعزعة الاستقرار الاقتصادي واستقرار النظام، وهذا كان واضحا خلال الأسابيع الاولى للحصار، ولكن بعد فشلها في تحقيق ذلك الهدف، تدرجت الحرب الاقتصادية عبر عدة مراحل في تحقيق أهدافها. فلو تم إثبات عدم قدرة قطر على تنظيم بطولة كأس العالم وسحبها منها فسيعد ذلك إنجازا كبيرا لدول الحصار وسيشكل انتكاسة قوية وفشلا لقطر كدولة من وجهة نظرهم، وسيحد ذلك من صعودها ومن انطلاقة هذا القطار السريع. فلو نظرنا للمراحل التي تدرجت عبرها هذه الحرب نجد أولا انه كان هناك استهداف مكثف للريال القطري مع اندلاع هذه الأزمة من خلال توظيف عامل الصدمة والتوتر السياسي لإحداث أكبر أثر ممكن لزعزعة استقرار العملة والاستقرار المالي. فتم قطع الامداد بالدولار من دبي عن شركات الصرافة في قطر في فترة ذروة الطلب السنوي عليه (الإجازات والأعياد)، مع شروع دول الحصار بسحب ودائعها من قطر، بالتزامن مع حملة إعلامية مسعورة لزعزعة الثقة وإثارة الارتباك والتوتر ودفع الجمهور نحو التخلص من الريال القطري والضغط على قيمته، بهدف كسر نظام سعر الصرف المثبت أمام الدولار الامريكي، وذلك سيؤدي الى هروب رؤوس الاموال بما لذلك من تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني، وسيستدعي ذلك تدخل السلطات بالسحب من الاحتياطيات الأجنبية للدفاع عن العملة وتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي، ولو تم الفشل في التصدي لتلك الهجمة وانخفضت قيمة العملة بنِسَب مؤثرة كـ 20% فما أعلى، فسيؤدي ذلك الى استنزاف المزيد من الاحتياطيات وإلى ارتفاعات كبيرة في مستويات الأسعار ومعدلات التضخم، وربما أدى ذلك الى تذمر داخلي وإخلال بتماسك الجبهة الداخلية ومن ثم زعزعة الاستقرار الاجتماعي وربما السياسي، وحتى لو تعافى الاقتصاد بعد ذلك فستأخد العملة فترة طويلة لاستعادة توازنها والثقة فيها. وبطبيعة الحال هذا كان سيناريو سيئا لو حدث، وهذه كانت أدق وأخطر مراحل الحرب الاقتصادية على قطر وعملتها، ولكنها فشلت في تحقيق أهدافها. ثم انتقلت بعد ذلك الحرب على العملة والقطاع المالي القطري الى خارج قطر. فكان هناك محاولات لمنع تداول الريال القطري في بعض أنحاء العالم، في بريطانيا على وجه الخصوص، كان يقودها صاحب شركات صيرفة مجند من قبل أبوظبي. ثم بعد ذلك كان هناك تلاعب بالريال القطري في الامارات ولفترة طويلة، لإظهار أن قيمته منخفضة، وتكشفت ايضا خطط ومحاولات للتلاعب بالسندات السيادية القطرية يقودها الملياردير البريطاني ديفيد راولاند مالك بنك هافيلاند في لكسمبورج، وهو مجند ايضا من قبل حكومة أبوظبي. وكنت على علم بذلك التآمر على السندات السيادية لدولة قطر من مصادر اخرى قبل أن يكشف عنها موقع الانترسبت The Intercept الامريكي بما يقارب الشهرين. فليس الانترسبت هو أول من كشف ذلك كما هو شائع. وتهدف هذه الحملة لإظهار أنه يتم تداول السندات القطرية بقيم كبيرة وأسعار منخفضة بشكل مزيف للإيحاء بأن هناك أزمة اقتصادية أو سياسية حادة داخل قطر بالتزامن مع حملة إعلامية دولية خلفها دول الحصار لترسيخ ذلك التصور وزعزعة الثقة وإثارة الارتباك والتوتر لدى المستثمرين ودفعهم نحو التخلص من السندات السيادية القطرية، وبالتالي الضغط على قيمتها، مما سيستدعي تدخل السلطات بالسحب من الاحتياطيات لدعم السندات السيادية وتعزيز الاستقرار المالي من جهة، ومن جهة اخرى سيؤدي ذلك الى: ارتفاع أسعار فائدة الإقراض لقطر، وارتفاع تكلفة تأمينات ديونها السيادية، وخفض تصنيفها الائتماني، ومحصلة ذلك صعوبة الاقتراض على قطر. إذن من جهة تستنزف احتياطيات قطر، ومن جهة اخرى تواجهها صعوبة في الاقتراض من أسواق المال الدولية وبهذه الطريقة تقع قطر بين المطرقة والسندان. وكان يؤمل أن يؤدي ذلك إلى إنهاك القدرة المالية للدولة والإخلال بالتزاماتها بتوفير البنية التحتية لتنظيم بطولة كأس العالم، بل وربما أبعد من ذلك. وهنا تقوم أبوظبي ومعها دول الحصار بحملة لتظهر للعالم أن قطر غير قادرة على تنظيم بطولة كأس العالم، فإما أن يتم انتزاعها منها أو تقاسم تنظيمها معها، هذا بحسب الخطة الموضوعة، ولكنها كانت خطة غير موضوعية وفشلت قبل أن تبدأ، فهي مستنسخة من نماذج عالمية غير قابلة للتطبيق في بيئتنا الاقتصادية، وتفتقر لأدوات تنفيذها على أرض الواقع، ولا يستبعد أن من خطط لها يعلم ذلك مسبقا ولكنه يستغل من جنده ماديا. فلا يوجد دلائل على تخطيط جيد ومبكّر لهذه الحرب، بل على العكس. * فأولا من ناحية فنية الريال القطري غير متداول عالميا والسندات السيادية القطرية غير سائلة، بمعنى أن الريال غير متوفر خارج قطر بالكميات المطلوبة للمضاربة عليه والتأثير في قيمته والسندات السيادية مقتناة بواسطة بنوك عالمية تحتفظ بها لمردودها الجيد وتصنيفها الائتماني العالي، ولذلك هي غير متوفرة في أسواق المال الثانوية والعالمية بالكميات الكافية للمضاربة عليها والتأثير في قيمتها. * ثانيا: هناك حائط صد منيع من الاحتياطيات الأجنبية الضخمة يرفدها اقتصاد حقيقي قوي وأصول مالية وحقيقية هائلة على رأسها الغاز الطبيعي يكمن في أن تشكل مصدرا مستمرا في تغذية هذه الاحتياطيات لفترة طويلة وهذا يعزز ثقة المستثمرين والجمهور في العملة والقطاع المالي القطري وفِي صلابة الاقتصاد القطري واستدامته. * ثالثا: انتفاء عنصر المفاجأة، فقد كان واضحا للمراقب مع حملة التحريض والعداء والكراهية التي قادتها دول الحصار ضد قطر أن القطاع المالي سيستهدف وأن العملة ستكون في قلب الاستهداف، فأسواق المال والصرف عادة ما تكون حساسة لمثل هذه الأزمات، خصوصا أسعار الصرف الثابتة التي عادة ما تكون عرضة للضغوطات والمضاربات في الأزمات الاقتصادية والسياسية الحادة، لذلك انتفى هنا عنصر المفاجأة ووضعت التحوطات اللازمة. * رابعا: فشل الحملة الإعلامية الموازية لانعدام المصداقية، فلكل حرب اقتصادية هناك ذراع أو حرب إعلامية موازية لإثارة التوتر والارتباك وزعزعة الثقة لتحقيق أهداف الحرب الاقتصادية، ولكن إعلام دول الحصار فشل في إقناع الداخل القطري بالتخلص من الريال القطري وفِي إقناع المستثمر الخارجي بالتخلص من السندات السيادية القطرية، لأنه كان مبتذلا وفاقدا للمصداقية منذ اليوم الأول لاندلاع هذه الأزمة التي انطلقت من التقول كذبا وزورا على رأس الدولة، أمير قطر، لذلك عندما كان إعلام الحصار يخاطب الجمهور داخل قطر محاولا زعزعة ثقته وإقناعه بالتخلص من العملة وتحويل رؤوس الاموال إلى الخارج لم يلتفت له أحد، فما بني على باطل فهو باطل. ** ويبقى السؤال لماذا تستهدف الحرب الاقتصادية انتزاع تنظيم بطولة كأس العالم من قطر، وما أهمية ذلك؟ ولكن من غير المنطقي ان يكون هدف كل هذه الحرب الاقتصادية هو مجرد انتزاع تنظيم بطولة كأس العالم من قطر! بل الهدف هو قطر في حد ذاتها، الهدف هو إسقاط قطر كدولة، وكنظام. الهدف هو كبح جماح صعود قطر والحد من تأثيرها، وتحجيمها، وتحجيم كل ما يغذي ذلك ويرمز له من مظاهر تأثير وقوة، صلبة كانت أو ناعمة: سواء اقتصادية (كموارد قطر وثرواتها كالغاز الطبيعي واستثماراتها والخطوط الجوية القطرية) أو إعلامية (كقناة الجزيرة)، أو رياضية (كتنظيم بطولة كأس العالم، اللعبة الأكثر شعبية على مستوى العالم ومحط أنظار العالم أجمع، تنظم لأول مرة في الشرق الأوسط وفي العالم العربي في قطر البلد الصغير بما لذلك من دلالات على صعود قطر وتأثيرها وتطور بنيتها التحتية وقدراتها المالية والتنظيمية وجاذبيتها وريادتها في هذا المجال الأكثر شعبية على مستوى العالم، وهذا أحد مظاهر صعود قطر وتأثيرها وقوتها الناعمة المهمة)؛ وكذلك ايضا الحد من تأثير قطر السياسي، وهو الأهم، على المستوى العربي والدولي، خصوصا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي ودعم قطر لتطلعات الشعوب المظلومة نحو الحرية والعدالة والعيش الكريم وما يشكله ذلك من مصدر قلق بل وتهديد للنظام العربي القديم من وجهة نظرهم، بقيادة دول الحصار، لذلك المطلوب احتواء قطر وإبقاؤها تحت الوصاية والتبعية ومحور قيادة الثورات المضادة. فإذا ما سقطت قطر كدولة، سقط معها كل ذلك، وأصبح بعدها كل هذه الموارد والمكتسبات (من ثروة وغاز وكأس عالم وغيرها) مجرد غنائم. أقول ذلك لأنه تكثر التحليلات حول أسباب هذه الأزمة. فيقال إنه الطمع في موارد قطر وثرواتها كالغاز الطبيعي، أو الغيرة بسبب تنظيم قطر لبطولة كأس العالم، أو قناة الجزيرة، وخط قطر المستقل حاضرا وتاريخيا، وتغريدها خارج السرب كما تزعم دول الحصار، وهكذا... لا، السبب هو كل ذلك، والهدف هو قطر، والحد من صعودها واستقلاليتها، وفِي هذا جور وغرور وجهل. وفِي النهابة يبقى الحصار أحد أبرز أشكال الحرب الاقتصادية المتواصلة على قطر منذ عامين حتى الآن.