13 سبتمبر 2025

تسجيل

عام من الإفلاس السياسي والاقتصادي والإعلامي

02 يونيو 2018

المتأمل في الدروس والعبر والنتائج التي يمكن استنتاجها من مرور عام على حصار قطر يلاحظ أن العملية برمتها بدأت بجريمة إلكترونية عالمية. وماذا تنتظر من شيء بدأ بالخطأ والاحتيال على القانون وكيف نطالب بأشياء من خلال ارتكاب جرائم. ماذا تنتظر من حصار بُني على مطالب واهية، فارغة، لا أساس لها من المنطق والقانون والأعراف الدولية.  فالقراءة المتأنية في محتوى قائمة المتطلبات الجماعية لدول الحصار تكشف أنها جاءت حبلى ببنود تمثل في معظمها تدخلا سافرا في السيادة القطرية وفي استقلالية دول قطر كما تتعارض جملة وتفصيلا مع مبادئ القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان وحرية الرأي والصحافة والتعبير. من خلال هذه المتطلبات تحاول دول الحصار فرض الوصاية على قطر كما تعكس ازدواجية في المعايير سببها عدم وضوح الرؤى والاستراتيجيات وضعف المنهج وغياب الحجج والبراهين على الاتهامات الموجهة الى قطر، فهناك مصطلحات وكلمات ومرادفات ليست واضحة ولها معان ودلالات مختلفة إضافة إلى اتهامات عديدة بدون أدلة ولا حجج دامغة. لائحة المتطلبات تفوح منها لغة الإملاءات والاستعلاء وسياسة الترهيب والتخويف. دولة قطر أعلنت أنها مستعدة للحوار بعد رفع الحصار والجلوس إلى طاولة المفاوضات بهدف الوصول إلى حل يرضي الجميع ويرضي البيت الخليجي بطريقة حضارية وأخلاقية تقوم على الاحترام المتبادل لجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي.   الحصار كشف إفلاسا كبيرا في مختلف المجالات. سياسيا جاء الحصار ليضع مجلس التعاون الخليجي في الإنعاش وجاء ليكشف إفلاسا سياسيا تمثل في شراء ذمم العديد من الدول الإفريقية ودويلات من شتى أنحاء العالم لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر. كما كشف الحصار عن دبلوماسية فاشلة تمثلت في تسييس الحج وفبركة الأخبار والأكاذيب والدعاية المغرضة. فتارة استعملت وكالات العلاقات العامة الدولية وتارة تم توظيف مؤتمرات وأقلام مأجورة لشيطنة قطر. كما أدى الحصار إلى خسائر اقتصادية تقدر بالمليارات سواء تعلق الأمر بالجانب السياحي أو إعادة التصدير أو الانفاق الكبير في مجال التسلح. الانجراف الأخلاقي وعدم احترام القيم والمبادئ الجوهرية للمهنة ميز وما زال يميز الإعلام الذي، مع الأسف الشديد، بدلا من الدعوة إلى التبصر والحوار ومناقشة الخلافات بمسؤولية وروح الوحدة تفنن في زرع الفتنة وفي التحريض على التفرقة من خلال أكاذيب وحملات دعائية مكثفة ومنظمة. الاتهامات والصور التي فبركها إعلام الحصار والتضليل على سبيل المثال شملت المقالات والأخبار المتعلقة باحتضان قطر كأس العالم 2022.   ومن خلال التغطية الإعلامية للحصار خلال السنة الماضية نلاحظ رائحة التشفي والضغينة والحقد والحسد وإثارة الفتنة والخلافات والنزاعات والأزمات والحروب. ممارسات إعلام الحصار بعيدة كل البعد عن المهنية والالتزام واحترام القارئ. فمنهم من تكلم عن "المعدة" وعدم قدرة القطريين على التعود على استهلاك المواد الغذائية التركية، ومنهم من تكلم عن الأبقار التي استوردتها قطر ولم تقدر على تحمل الحرارة وبذلك عدم قدرتها على العيش في قطر والاستفادة منها في تزويد البلد بالحليب. حكايات وقصص عديدة وغريبة يندى لها الجبين ويتأسف كل عاقل لما وصل إليه الإعلام في دول الحصار. كيف لا ويأتي صحفي ويعلن أن نتيجة للحصار لم يجد القطريون ما يأكلونه في رمضان وأن لا وجود للمواد الغذائية في المراكز التجارية وغيرها من منافذ البيع. ومنهم من تجرأ وقال بكل وقاحة وانحطاط أخلاقي ومباشرة على الهواء ما لا يصدقه العقل. وقد يتساءل عاقل عن الضمير المهني وعن أخلاقيات مهنة نبيلة كمهنة الإعلام. كيف يهدأ بال هذا الصحفي عندما تنفرج الأمور وتهدأ وتنجلي الحقيقة وتسقط الأقنعة وتعلم الشعوب والرأي العام أن جريمة تضليل وتزييف وكذب وافتراء قد اقترفت في حقه.      منذ اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ونحن نعيش مظاهر وممارسات وتصرفات إعلامية تسيء لسمعة المهنة النبيلة، مهنة المتاعب ومهنة البحث عن الحقيقة. في أوقات الأزمات وفي أوقات الشدة من واجب الإعلامي المسؤول والنزيه والملتزم ألا ينجر مع التيار الجارف وألا يطنب في الافتراء والتضليل والتشويه وصناعة الواقع الذي يغاير الحقيقة تماما. ما لاحظناه هو دعاية غوبلز في الحرب العالمية الثانية والتي كانت تنطلق من مبدأ "اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى تصبح الأكذوبة حقيقة تكون أنت أول من يصدقها". فبدلا من تهدئة الأجواء واستعمال العقل والمنطق لاحظنا دخول المؤسسات الإعلامية في حالة وفي جو من التصعيد والتضخيم والتهليل وكأنها كانت ترحب بهذا الوضع الذي لا يشرف دول الخليج ولا مجلس التعاون الخليجي. وهنا دخلنا في ثقافة نشر الفتنة وشحن الأجواء وصب الزيت على النار. وهذا النوع من الإعلام هو النوع السائد والذي يفتقد البصيرة وبعد الرؤية والمنطق والعقل. فهو إعلام مع الأسف الشديد يهدم ويحطم أكثر مما يبني ويهدف إلى الخير والبناء والتشييد. فالفتن والحروب النفسية والدعاية لا تخدم في نهاية المطاف البيت الخليجي ومجلس التعاون الخليجي وإنما تصب في مصلحة الأعداء وكل من يتربص بالمنطقة. وانطلاقا من هذا يجب على الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الخليجية والعربية أن تكون في مستوى المهمة والحدث والرسالة لأن الوضع صعب وحساس ومصيري وبحاجة إلى مهنية عالية وأخلاق عالية والتزام كبير وضمير مهني في مستوى رهانات الحدث. فليعلم القائم بالاتصال أنه مسؤول أمام الله وأمام التاريخ؛ إذا شارك اليوم في التضليل والتزييف واثارة الفتنة بدلا من التبصر والتعقل والبحث عن الحلول السلمية والرشيدة والتي تعود بالفائدة على الجميع وبأقل الأضرار سيندم غدا وقد يسأله ابنه أو حفيده عن تصرف قام به يوما ما لا يشرفه ولا يشرف ضميره ومهنة كان من المفروض أن تخدم الأمن والسلام والاستقرار وليس الفتنة والحصار. متى تنتهي الغطرسة والتهور والاستمرار في الخطأ؟ يبدو أن النزوات الشخصية تغلب على العقل والمنطق.