19 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة الخليج.. أزمة أخلاق

02 يونيو 2018

في الخامس من يونيو 2017 بدأ مخطط حصار قطر الوادعة؛ وكان هدفه جرها للاستسلام لمطالب وشروط استعلائية، وهو ما لم يتحقق. في مقابل ذلك أدارت الدوحة معركة صمود فريد أدهشت المحاصرين وجعلت ورطتهم تزداد تعقيدا. تقول صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن دولة قطر تنفق 200 مليار دولار على بنيتها التحتية وتستعيض عن الاستيراد من الجيران بفتح طرق تجارية جديدة وإنشاء مشروعات الاكتفاء الذاتي. ووفقا لصندوق النقد الدولي فقد توازنت قطر اقتصاديا بشكل سريع بعد أشهر قليلة من بدء الحصار، وصار الاقتصاد القطري الأسرع نمواً في المنطقة.   وفي حين صمدت قطر وتمكنت من ابتكار وسائل وأدوات مكنتها من تجاوز المحنة التي أراد أشقاؤها وضعها فيها؛ نجد أن الأزمة الخليجية أورثت المنظومة الخليجية بكاملها تصدعا إستراتيجيا، فغدت أوهن من بيت العنكبوت وتحولت أحلام شعوب الخليج في الأمن والرفاهية واستغلال ثرواتهم إلى سراب بقيعة.  بل الكارثة الأكبر أن أصبحت دول الخليج هدفا للابتزاز الأمريكي الفج. بيد أن هناك فرقا في الاستجابة للابتزاز، فقطر في مقاومة الابتزاز ماضية ويكشف موقع "أنترسبت" الأمريكي أن جاريد كوري كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره كان قد أيد الحصار بعد رفض قطر لطلب والده في نهاية أبريل 2017، تمويل شركته العقارية المتعثرة. كانت المؤامرة مبيته وظن المتآمرون أنهم أحسنوا صنعا وأحكموا حبكها، فبمجرد أن نشرت التصريحات المفبركة لأمير قطر في 23 مايو 2017، سارعت وسائل الإعلام في الإمارات والسعودية والبحرين ومصر إلى توجيه الشتائم إلى قطر. وسارعت قطر إلى الاشارة إلى تسريبات من البريد الالكتروني لسفير الإمارات في الولايات المتحدة والتي كشفت تفاصيل المؤامرة لتي تبينت أنها حملة تحريض تستند إلى ادعاءات وتلفيق مطلق. ولكون أن الحملة الإعلامية ضد قطر أخفقت في إقناع الرأي العام الخليجي فلم يكن من بد إلا المضي في التصعيد المستمر من جانب الدول المحاصرة. ولم يكن هناك عناء ليكتشف العالم أن الهدف من وراء الحملة الإعلامية وقرار قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وإغلاق الحدود جوا وبرا وبحرا، هو ممارسة الضغوط على قطر لتتنازل عن سيادتها وقرارها الوطني.   العرب تقول "الحرب أولها كلام"، وفي هذه الأزمة تكاد المقولة تصبح: "الحرب أولها إعلام". فلم يكن مدهشا أن هذه الأزمة بكل خطورتها وضخامتها، بدأت باختراق إلكتروني لوكالة الأنباء القطرية. وتبين لاحقا أن تعاطي جزء كبير من الإعلام العربي مع الأزمة، قد أظهر حقيقة أنه نمط من أنماط العمل الإعلامي غير المهني الذي يتماهى مع الطموحات الرسمية. ولكون أن بعض الإعلام العربي والخليجي مرتبط بشكل وثيق بتركيبة أنظمة الحكم العليلة، فهو يجد حظه من عللها غير منقوص. فلا يمكن ننتظر إعلاما صحيحا معافى ما دام الوسط الذي يعمل فيه مُثخنٌ بالجراح.    في هذه الأزمة كان الجمهور العربي والخليجي على وجه الخصوص واقع تحت ضغط تغطيات اخبارية وتحليلات سياسية مفبركة قدمت بالتناغم والتناسق مع رغائب وأهواء الأنظمة الحاكمة. وعليه فإن وسائل الإعلام الخليجية في أغلبها تعيق التنمية السياسية لأن ذلك ببساطة لا يتم إلا بفتح المجال لسوق الأفكار الحرة وكذلك قيمة الرأي والرأي الآخر، وهو ما فشلت في تبنيه وتحقيقه على أرض الواقع أغلب وسائل الإعلام الخليجية. وذبحت في هذه الأزمة الموضوعية والمهنية من خلال التناول والتفسير المختلف للأزمة والمواقف المتعلقة بها. وتفوق الإعلام المصري والخليجي المأزوم بسيطرة الأجندة السياسية الحكومية على الإعلام الإسرائيلي في احتفائه بقطع السعودية والإمارات والبحرين وعدد من الدول العربية، جميع العلاقات الدبلوماسية مع قطر ووقف الحركة البحرية والبرية والجوية معها، ومثل ما نعق الإعلام الاسرائيلي بأن ما حدث يعتبر حماية لأمن الدولة العبرية من مخاطر الإرهاب والتطرف والتدخل في شؤون دول عربية أخرى، كان ذلك الإعلام الخليجي المأزوم يردد ذات الأكاذيب.