29 أكتوبر 2025
تسجيلذكرنا في المقال الماضي أهمية اتحاد المسلمين مع بعضهم بعضا وضرورة اتصافهم بالعدل دون التركيز على القسم الثاني الذي – كما هو معروف – قد أمر الله – تعالى- به في كتابه، حيث يقول: (إن الله يأمر بالعدل...) النحل :90.وقد قال العلماء: لو لم تنزل في العدل إلا هذه الآية لكفت، لأنها أمر من عالم السر وأخفى. وقد قال القلعي من علماء الشافعية: العدل ميزان الله في أرضه، فمن عارضه فقد عرّض دولته للزوال وعزه للذل, وفي مجمع الزوائد للهيثمي الجزء الخامس رقم 8714 كتاب الخلافة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من والي ثلاثة إلا لقي الله مغلولة يمينه, فكَّه عدله أو غلّه جوره". هذا وقد قسم ابن الأزرق الأندلسي العدل والظلم إلى قسمين، فيه فوائد أخروية, وفوائد دنيوية, ففي الأخروية يكفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرجه الترمذي برقم 1344 عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل, وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم منه مجلسا إمام جائر"، ويكفي أيضا حديث صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – برقم 6421: "سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل..."، وكذلك فدعوته تستجاب ولا ترد كما في سنن الترمذي برقم 3668.أما فوائده الدنيوية فأهمها: أ- وجود العدل عند الحاكم دليل رجحان العقل.ب- إتمام النعمة وكمالها إنما يكون بالعدل.ج – دوام الملك بالعدل كما في المثل: "من جعل العدل عدّه طالت به المدة".ح – ملك سرائر الرعية بالعدل كما في بدائع السلك في آداب الملك لابن الأزرق الأندلسي 1/232.أما عن مفاسد الظلم الأخروية، فمن أهمها: الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث الطبراني في الكبير: 2/213 عن معقل بن يسار- رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي, إمام ظلوم غشوم, وكل غالٍ مارق".... – شدة العذاب يوم القيامة: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الطبراني في الأوسط عنه عن أبي سعيد 2/166 "أشد الناس يوم القيامة عذابا إمام جائر".وأما عن مفاسده الدنيوية : - فناء الكرامة بسبب الظلم – ذهاب الرزق والاقتصاد - بشؤمه - برا وبحرا، قال ابن الجوزي- رحمه الله- في كتابه مواعظ الملوك والخلفاء: "الولاية إذا لم يعم جوانبها عدل عزل صاحبها لا محالة". وفي سراج الملوك للطرطوشي 1/222: "إن السلطان الكافر الحافظ لشرائط السياسة الإصلاحية أبقى وأقوى من المؤمن العدل في نفسه المضيّع للسياسة الإصلاحية"، وكذا نقله ابن تيمية – رحمه الله - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ص: 42: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة... فقد يبقى الملك مع الكفر ولكنه لا يبقى مع الظلم"، فهذه هي سنة الله الإلهية في التعامل مع الأسباب والمسببات وبيان أن الظلم من أشنع الذنوب وهو هادم للشعوب ومهلكها بالأخذ, والتدمير, والقصم, والابتلاءات فلا هلاك إلا مع فساد. وإن أهم صور الظلم الاستكبار والطغيان على أن ذلك قد يقع من الحاكم الظالم وقد يقع من العالم (المنسوب إلى العلم) وهو المنافق المداهن للحاكم، حتى قال عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد: "وكم من عالم انحاز إلى سلطان ظالم فجرّ على الأمة أعظم الويلات"، ومن نظر في واقع بلادنا اليوم من الظلم والطغيان على عباد الله بشتى أطيافهم وأجناسهم وجد أنه قد انتشر كالنار في الهشيم ولذا قام الربيع العربي - بغض النظر عن كونه تلقائيا أو مرتّبا – وأنا أميل إلى أن معظمه قد جاء عفويا لعظم الاحتقان الذي بناه اليهود الصهاينة الأسياد عن طريق بعض الحكام العرب والمسلمين في الشعوب, ولكن هؤلاء الصهاينة أصحاب الأخوة الزائفة لإخضاع البشرية لها، يختبئون خلف كل صغيرة وكبيرة وهم الموجهون الحقيقيون لبعض العبيد من طغاتنا الذين لا يمكن أن يجلسوا أسبوعا واحدا على العرش لو رُفعَ الغطاءُ عنهم، كما أكد عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "جاك تنّي" في كتابه "الأخوة الزائفة"، ترجمة أحمد اليازوري ط مؤسسة الرسالة، حيث قضى ثمانية عشر عاما في تصنيفه بكل توثيق فريد وأدلة دامغة ونقل من خطاب جون ف . هننج وكيل وزراء العمل كما في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز " 18/8/1965: "يجب أن ينبع القانون من صهيون، كما ذكر توثيق نقل "الأمم المتحدة" اليوم على أنقاض "عصبة الأمم" - والتي تخضع لها أمريكا كاملا- كيف أن القضية الفلسطينية سترفع إليها ولابد لليهود أن يسيّروها لتقف إلى جانبهم وهو ما حدث ويحدث فعلا، انظر ص: 148 من الكتاب. فإذا أمعنت التأمل في الوضع السوري اليوم أو من عهد الأسد الأب وجدت أن بينهما وبين العدل ما بين السماء والأرض من بعد ومسافة, ورأيت العذابات الجهنمية للعهدين بما لا وصف له أبدا وخصوصا مجزرة مدينة حماة 1982 ومجزرة سجن تدمر 1980، حيث سالت الدماء أنهارا من السياسيين والنساء المعتقلات وخصوصا من له مساس بالإسلام السياسي المتحرك، بل أصاب كثيرا من غيرهم لذلك. وهذا ما وجد في مصر وتفاقم في عهد مبارك فقامت الثورة للتصحيح فهبت الصهيونية العالمية لتحرس مصر وسوريا بأسلحة الظلم والطغيان وتآمر الجميع عبر الأسد الصغير والسيسي العبد أمام أسيادهما للانقلاب على الشعب والشرعية وسجن الرئيس الشرعي د. محمد مرسي, وجعل القضاء مسيسا وأداة للظلم. وكذا ما حدث في العراق، حيث كان المالكي لمن بعده قدوة بفرض ديمقراطية القتل والتشريد والاغتصاب, وكذا ما يحدث اليوم في اليمن من تمكين الحوثيين وصالح خدمة للأجندة الصهيونية والغرب المتآمر، جزما على هذا البلاد ودفع الشيعة الأغبياء والخونة، كالعلقمي السابق وسائل بيد هؤلاء, ووضع إيران عرّابة مخلصة لباطلهم وباطلها في هذا السيناريو، بلا شك، قبل عاصفة الحزم بسنين وكم كنا ننصح ولكن لا حياة لمن تنادي.وعسى أن تكون عاصفة حزم سورية ترجع الحق إلى نصابه وتدفن تصريحات "قاسم سليماني" رئيس الحرس الثوري الإيراني - وأضرابه من العملاء وأصحاب الخطاب الطائفي "كحسن نصر الله" أيضا إلى غير رجعة، فلابد من إعادة حالة التوازن بين العرب والمسلمين وبين إيران وإلا فنحن في حروب لا نهاية لها, وإن روسيا لمرتاحة أي ارتياح لذلك ولهذا فإنها تعمل جاهدة على التفتيت والتفكيك لصالحها وصالح الصهاينة اليهود الذين قال بوتين عنهم في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل: "إن علائقنا مع اليهود لا يستطيع أحد في العالم أن يقطعها"، فهل من معتبر وموقن أنهم إنما يفتحون باب الديمقراطية إلى بلادهم في الغرب فقط ويغلقونها أمامنا، لأنه سيكون فيها حتفهم. ولا منقذ لنا إلا الاعتماد على الله بالأخوة الإيمانية والوطنية وبالوعي والفهم الواسعين في أنفسنا والتخطيط الدقيق وحساب المآلات في السلم والحرب للحفاظ على الأنفس، فإن فيها حفاظا على الدين نفسه، كما يقول العز بن عبد السلام في كتابه "فتاوى الأنام": وذلك إذا أرادوا استنزافنا وإهلاكنا, وإلا فالتضحية - على الدوام – هي شعار العرب والمسلمين عبر التاريخ.