12 سبتمبر 2025

تسجيل

الإخوان المسلمون.. على أعتاب مرحلة جديدة

02 يونيو 2011

احتفل الإخوان المسلمون يوم السبت 21 / 5 الماضي بافتتاح مقرهم العام الجديد في المقطم، وقد توافد على احتفالهم عدد كبير من الشخصيات المهمة بالدولة والمرشحين لرئاسة الجمهورية وأمناء الأحزاب والمستشارين والشخصيات الاعتبارية والمثقفين من كل الاتجاهات والجهات في داخل مصر وخارجها يهنئون الإخوان ويحتفلون بمنهجيتهم الإسلامية السلمية والوسطية والمدنية. الإخوان المسلمون ينطلقون اليوم بذات الشعار الذي انطلقوا به قبل ثمانين سنة دون أن يغيروا منه حرفا واحدا (وأعدوا والسيفين والمصحف) هذا الإنجاز يأتي في ذات الوقت حيث يعلن الرئيس السوري عفوا عاما يشمل إخوان سوريا.. و كل ذلك مضافا لما حققه الإخوان أو تحقق لهم في فلسطين والأردن وغيرها من الساحات.. في هذا المقام وفي ظلال هذه النقلة التاريخية والنوعية لا بد من كلام يقال ومن حقائق تثبت.. وأقول: أولا: هذا التحول الذي يعيشه الإخوان المسلمون في مصر ستكون له امتداداته خارجها بما لهم بين الإخوان من مكانة وسبق وبما لمصر في الأمة من أثر وفارق وزن نسبي، يأتي ذلك للإخوان في وقت ,خصومهم التاريخيون إما تحولوا لمناصرين أو مجاملين أو صاروا وراء القضبان يقاسون أضعافا أضعافا ما مسوهم به من أذى.. ولك أن ترى حسني مبارك الذي طالما حاول استئصالهم وسخر في ذلك مقدرات مصر الإعلامية والاستخبارية وهوامش الدستور ومداخل القضاء والانتخابات، ولم يدع لهم فرصة أن يعيشوا المواطنة في أبسط صورها.. ها هو اليوم وإذ يعلو شأن الإخوان وإذ يرتفع نجمهم وإذ يلتف الناس لهم ومن حولهم.. هو وأهل بيته موضع ازدراء واستثقال – وربما إشفاق - تسلب كرامتهم الوطنية ويعيشون الضنك أشكالا وألوانا.. أتاه الله تعالى من حيث لم يحتسب، وقذف في قلبه وقلب طغمته الفاسدة الفاجرة الرعب، وما هي إلا عشية وضحاها حتى فقدوا كل شيء.. إنها إقلابة واحدة من إقلابات الزمن الذي لم يفهموه , والشعب المصري الذي لم يحترموه , لكنها غيرت كل شيء.. فسبحان الله القائل: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) والقائل: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ). ثانيا: هذا التحول واعتراف خصوم الإخوان المسلمين ومحبيهم على السواء بقوة تنظيمهم وبدورهم في الثورة وباستحضار ما قدموه طيلة الثمانين عاما منذ التأسيس.. فيه الإجابة الشافية على كثير من الأسئلة وكثير من الشبهات التي كانت تقال.. البعض كان يسأل بإنكار واضح وظلم فاضح: أين الإخوان المسلمون، وماذا فعلوا، وأين هي إنجازاتهم؟ آخرون كانوا يقولون متجاهلين ما تحت يد الخصوم من أسباب وجاهلين سنن الله تعالى في ابتلاء الأحباب: لو كان الإخوان على الحق ما تأخر عنهم النصر حتى الآن؟ بعض آخر من الإسلاميين المستعجلين الذين يغرقون في ثنائية " الأبيض أسود " من الأفكار والمواقف كانوا أحيانا أقسى على الإخوان من الخصوم والأعداء إذ يقولون: إن منهج الإخوان المسلمين هو من الليونة والإرجاء العقدي (أي عدم القوة في المواجهة والمفاصلة مع المخالفين) ما لن يمكنهم من التغيير في هذا الزمن المليء بالفتن والمختلط الاتجاهات.. نعم لقد تحقق للإخوان المسلمين اليوم بصبرهم وحكمتهم وطول نفسهم أمان يحسدهم عليه كثيرون من المستعجلين، ولا يطمح إليه كثيرون من أهل المجاملات والتزلفات.. وهو يذكرنا بالرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سأل مرة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبَدَ الدَّهْرِ نَحْنُ خَائِفُونَ هَكَذَا، مَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ نَأْمَنُ فِيهِ وَنَضَعُ فِيهِ السِّلاحَ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تَغْبُرُوا إِلا يَسِيرًا حَتَّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ فِي الْمَلأِ الْعَظِيمِ مُحْتَبِيًا لَيْسَتْ فِيهِ حَدِيدَةٌ " تغبروا: أي تجاهدوا وتتعبوا. ليست فيه حديدة: أي آمنا لا يحتاج سلاحا ولا يحمله.. ثالثا: هذا النصر لا يجوز أن يحسب ولا أن يكون موجها إلا ضد العدو الصهيوني وأعداء مصر والأمة، وضد الفاسدين من السياسيين الذين يأكلون ويشربون بدعاوى الوطنية ويستقوون بالولاء للأجنبي.. ليس ضد أحد سوى هؤلاء مسلمين كانوا أو أقباطا، علمانيين أو قوميين أو إسلاميين، رسميين أو حزبيين أو مستقلين.. وحتى الغرب الذي يحترم استقلالاتنا وثقافتنا والمستعد أن يتعاطى معنا بالمماثلة في المعاملة والندية في الاحترام كل هؤلاء ليس على أحد منهم أن يخاف من نصر الإخوان المسلمين.. ومن شاء فليرجع إلى منهاجهم النظري التربوي والثقافي والفكري ؛ الإمام المؤسس – رحمه الله – يقول: "وأما وسائلنا العامة.. ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحو الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب ليمثلوها في الهيئات النيابية ونحن واثقون بعون الله من النجاح.. " رسالة المؤتمر السادس، وفي رسالة المؤتمر الخامس يقول: "يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام وهم لا يعدلون به نظاما آخر " انتهى.. فإن جئنا للواقع نحكّمه وللتجربة العملية ونظرنا في تاريخ الإخوان المسلمين وفي أداءاتهم العملية على مستوى الانتخابات وعلى مستوى العلاقات والمجاملات والتفاعل الوطني مع القوى المنافسة تقاطعا أو تناقضا فسنجدهم يحفظون العهد ويحترمون الالتزامات، وسنجدهم إسلاميين لا تنازع في نسبتهم للإسلام الصافي الوسطي الواقعي، وسنجدهم منفتحين على الآخر أصلا لا استثناء، وسنجدهم ما تشاركوا مع أحد ثم خانوه، وما كانوا في مرة الأسبق لنفض يد من حلف أو نكوص عن تنسيق.. وسنجدهم يؤمنون بالدعوة السلمية والتغيير التدريجي ويتحاكمون في النهاية للشعب وإرادته.. ألا يرضي ذلك الإسلاميين من غير الإخوان؟ ألا يرضي ذلك العلمانيين والليبراليين من غير الإسلاميين؟ ألا يرضي ذلك الأقباط من المصريين؟ اللهم إلا إذا كان الاعتراض على حق المواطن المصري في اختيار النظام الذي يريده.. هنا فقط يمكن أن يقع الصدام الفكري الذي لن ينسب إلى الإخوان منه إلا ردة الفعل ولملمة الشمل.. رابعا: على الإخوان المسلمين أن يحسنوا فهم أمور لا بد من إحسان فهمها: 1- أن ما حققوه أو ما تحقق لهم من نصر لا منّة لأحد غير الله تعالى فيه، وأن التئام الناس من حولهم على اختلاف مشاربهم ليس كله حبا فيهم أو قناعة بمنهجهم.. بالأخص عندما يأتي ذلك من بعض من كانوا مساندين للنظام الساقط البائد.. ربما جاء البعض مهنئا لينال شرعية لدى الثورة، أو لينال دعما انتخابيا أو لمجاملة بروتوكولية أو لأسباب أخرى سوى الوفاء والولاء.. وبالتالي فلا مجاملة على حساب المنهج ولا استحياء من تقرير ثوابت الأمهات والاستراتيجيات بقدر ما لا يجوز فقدان المرونة والواقعية ومسلكية التدرج في الآليات والوسائل والتكتيكات ومبادلة البروتوكول بمثله 2- أن جزءا من النصر الذي تحقق لهم إنما ينسب إلى أخطاء وخطايا النظام السابق ومفاسده وتلك مساحة لا بأس بها جمعتهم بخصومه.. وبما أنه قد مضى وانتهى إلى مزبلة التاريخ ولم يعد التناقض معه دليلا على صحة موقف أحد فإن على الإخوان المسلمين أن يتوقعوا خلافات تنافسية سوف تنشأ مع خصوم جدد كانوا للأمس القريب أعوانا وحلفاء في مواجهة العدو المشترك وسوف يستتبع ذلك خصومات ومنافسات (وتصيدات)، وسوف يكون له أثر على الرأي العام داخل مصر وخارجها، وسوف يهيج عداوات جهات كثيرة.. ما يعني بالضرورة إجراء تغيير نسبي في مظاهر الاحترام والتداول الفكري، والمزيد من تقويم الذات وسماع النقد، وإفساح الفرص للآخرين.. وهو ما جسده شعارهم الانتخابي (مشاركة لا مغالبة) الذي ينبغي أن يصروا عليه من هذه الزاوية بالتحديد ليؤكدوا بالملموس العملي أنهم لا ينظرون لرفقائهم في الثورة وشركائهم في العمل السياسي من قبيل المغالبة.. وهو للأسف ما يغفل عنه بعض الإخوان الذين يصرون على المنافسة في كل صغير وكبير 3- أن الإخوان المسلمين بعد الترخيص الرسمي لحزبهم والوجود الفعلي والقانوني لجماعتهم سوف يصبح الكثير مما كان يجري بينهم داخليا أو يتحرك سريا سوف يصبح أقرب إلى الصحف وإلى الرأي العام من فم قائله ومن أذن سامعه، وسوف يصير عرضة للتأويل والتجيير وسوء التوظيف والتفسير.. بالتالي فإن عليهم أن يوسعوا نظرتهم لتشمل كل الوطن المصري وكل قطاعات الأمة وتلاوينها، وكل العناوين السياسية والوطنية والمذهبية.. وأن يغطوا أكبر مساحة ممكنة من التوافق مع المخالفين.. حتى لا تتحول تخويفات وأراجيف أمثال الأمريكي المتصهين (الذي كانت صحف النظام تصفه دائما بالكاتب الكبير) حتى لا تتحول إلى شبهات ومطاعن حقيقية في فكرهم وسلوكهم وشرعيتهم.. وللإخوان المسلمين في شريعة الإسلام السمحة، وعقيدته وأخلاقه العالية، وفي هوامشه الموضوعية من الرخص وأبواب المصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان وفق الأولويات ما يتخطون به الجمود على لفظة أو على مصطلح أو على فتوى أو على موقف ينسف المكتسبات ويهيج الكثير من العداوات.. آخر القول: على كل أصحاب الآراء الموتورة وكل مطلقي الأفكار الدموية وكل الذين يتوهمون أن الدعوة الإسلامية لا تتحقق إلا بالعنف والمواجهة وبالأخص داخل إطار الأمة والوطن الواحد.. أن يتعلموا من درس مصر وأن يفيدوا من تجربة الإخوان المسلمين فيها، وأن يروا سنة الله في نصر المؤمنين فيتتبعوها.. وعلى الذين لا يزالون على منهج فرعون الساقط في مصر أو فرعون الآيل للسقوط في غيرها أن يروا مصارع الظالمين ليؤوبوا قبل ذات المندم..