26 أكتوبر 2025

تسجيل

العالم العامل الشيخ عبدالمجيد الزنداني رحمه الله

02 مايو 2024

عالمنا الإسلامي على امتداد مساحته الواسعة بين يوم وآخر تنطفئ شمعة من شموع العلم والعمل والدعوة والفقه والجهاد التي تنير الطريق لجموع الأمة والإنسانية كذلك، ويخفت شيئاً فشيئاً، وصدق من قال «يرحل الجسد ويبقى الأثر». وهكذا يرحل العلماء والدعاة والمصلحون والمجاهدون وأهل الخير والمعروف والإصلاح ويخفت نورهم رحمهم الله شيئاً فشيئاً عن هذه الحياة الدنيا، وقد جاء عن المفسرين في قوله تعالى ((أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)). قال ابن عباس رضي عنهما في رواية «خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها»، وكذا قال الإمام مجاهد رحمه الله «هو موت العلماء». وقيل لسعيد بن جبير رحمه الله « ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم». وقال الحسن البصري رحمه الله «كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف اليل والنهار». ففي يوم الإثنين 13 من شوال 1445 من الهجرة الموافق 22 من أبريل 2024 ودّع عالمنا الإسلامي وفي مدينة الفاتح القائد السلطان محمد الفاتح رحمه الله، انتقل إلى رحمة الله الشيخ المبارك الرباني العالم العامل الشيخ عبدالمجيد الزنداني رحمه الله، بعد عمر مديد قضاه مع العلم والإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة الشريفة، والدعوة والتربية إلى الله على بصيرة، وفي نصرة الدين والدفاع عن قضايا الأمة في جميع مساحتها وميادينها، وخاصة قضية فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. رحل الشيخ رحمه الله عن دار الغرور... رحل الشيخ رحمه الله عن دار الفتن... رحل الشيخ رحمه الله عن دار المتاع الفاني... رحل الشيخ عن دار التكاثر في الأموال والأولاد... رحل الشيخ عن دار التهافت على ميادين الشهرة... رحل الشيخ رحمه الله عن دار الأنانية والمصالح الشخصية... رحل الشيخ رحمه الله عن الصراعات على حطام الدنيا... رحل الشيخ رحمه الله من دار الأكدار والأوجاع... رحل الشيخ رحمه الله من دار الشهوات والشبهات... رحل الشيح عبدالمجيد الزنداني رحمه الله ولكنه ترك أثراً وأي أثر، فهو رحمه الله مدرسة متكاملة المعالم متميزة في علمها وعملها وعطائها وبنائها وحركتها لم تعرف التوقف والانتظار، فقد كان رحمه الله قريباً من الناس تواضعاً وكرماً، ويحمل هموم الناس والأمة ولم يتخلف عن الركب حتى وفاه الأجل رحمه الله. فقد أخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». وللإمام مسلم رحمه اللهِ «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». ما أجمل هذا الوصف والمدح والإطراء في هذا الحديث النبوي عن أهل اليمن!. أسس رحمه الله جامعة الإيمان بمدينة صنعاء، فكانت صرحاً إيمانياً تربوياً تعليمياً موفقاً لأهل اليمن الكرام ولأهل الإسلام قاطبة. وأسس كذلك هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بالسعودية أثناء تواجده فيها 1984 من الميلاد، وما أكثر محطات الخير والعطاء والبناء في حياة الشيخ عبدالمجيد الزنداني رحمه الله. أحب الشيخ الزنداني الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمهما الله، فما أروع هذا الحب، فقال عنه «لقد عشتُ معه فترةً من الزمن في مؤتمرات وندوات علمية دولية، فكان نجمًا ساطعًا في كل تلك الملتقيات، ولقد صحبته يومًا وأنا في عزِّ شبابي من الصباح إلى المساء، فما جاء المساء إلا وقد تعبتُ وأنا الشاب، ولكن ما رأيتُ عليه آثار التعب الذي كنتُ أحسّ به». «وكان -رحمه الله- إذا حضر مؤتمرًا كان النجم اللامع الذي يقود دفة سير المناقشات في تلك المؤتمرات بعلم وحكمة وسداد رأي». «وكان -رحمه الله- من المتحمسين لهيئة الإعجاز العلمي والداعمين لها، وكان ينتدبني للإصلاح بين المجاهدين الأفغان، ولما سمع أننا قمنا بإنشاء جامعة الإيمان أرسل إلينا رسالة يُشجعنا فيها على المضي في ذلك، ويقول إنه يُسعده أن يُعاون ويدعم الجامعة». «ومن أبرز صفاته أنه كان عالمًا وثيق الصلة بالعلم، وكثير العمل، وكثير الذكر والعبادة، وهي صفات قلَّ أن تجتمع في رجلٍ، وكان شجاعًا في الحق، ولكن في لينٍ، لا تأخذه الانفعالات». رحم الله الشيخين رحمة واسعة وجمعهما في ظل عرشه ومستقر رحمته. قبسات من كلام الشيخ عبدالمجيد الزنداني رحمه الله:- .“فإن علم الإيمان يحقق للإنسان السعادة والفوز العظيم في الدنيا والأخرة” “إن قدرة الأستاذ تظهر في تلاميذه، ومهارة المدرب تظهر على من دربهم” «ومن أيقن أن الله حافظه فلا يضره من في السماوات والأرض إلاّ بما قدّر الله له شعاره قول الله تعالى ((قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا)). وإذا أرد الإنسان إيماناً صحيحاً فعليه بالعلم....، ذلك لأن إيمان المقلّد لغيره سرعان ما يهتز عن أول امتحان وعند أول شبهة». “وصاحب القلب السليم يُحب الحق، وينشرح صدره لتعلم الإسلام، فيستحق بذلك هداية الله”. “إن الذي لا يملك مالاً، لا يطلب الناس منه المال، والجاهل لا يأتي منه العلم، ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه” ومهما كثر الفساد، قد شاءت حكمة الله سبحانه، أن تبقى طائفة على الحق ظاهرة، تقيم الحجة على الناس بالدعوة إلى دين الله، وتتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم». “ومضة” يرحل العلماء العاملون الربانيون وتبقى آثارهم بين الناس حاضرة.. ونسأل الله المولى الكريم أن يتقبل الشيخ عبدالمجيد الزنداني في عباده الصالحين والدعاة العاملين، والصابرين المحتسبين من عباده، وأن يتغمده برحمته ورضوانه، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وأن يجزيه خيرا عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي عباده الصالحين.