13 سبتمبر 2025
تسجيليواصل الكاتب والناقد المسرحي الدكتور حسن رشيد حديثه عن أيام الشارقة المسرحية في حلقة جديدة من حلقات مقالاته، والتي جاءت على النحو التالي: (4) مقامات بن تابه - داخل المسابقة - مسرح رأس الخيمة..من تأليف وإخراج الفنان القدير مرعي الحليانيعتبر هذا المبدع الإماراتي الكبير الرقم الصعب في مسار الدراما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهو الصحفي والكاتب والممثل والمخرج، وهو واحد من أبرز فرسان المسرح ليس فقط على النطاق المحلي في الإمارات ولكن عبر منظومة دول مجلس التعاون، والحقيقة لا أدري من أين يستقي أفكاره؟ فهو في ترابها الأحمر يطلق صرخة الاحتجاج، وهو في نهارات علول يخلق واقعاً آخر للإبداع المسرحي، هو الضلع الآخر للمسرح في الشارقة بجانب الفنان الكاتب إسماعيل عبدالله.مرعي الحليان فنان من نوع خاص، هو مخلص إلى أبعد الحدود في أي عمل فني يتصدى له، ولذا فإن لهذا الفنان خصوصيته.. سواء في الدراما التليفزيونية كممثل أو عبر بحثه الدؤوب عن نماذج يخلق من خلالها علاقة بفن الدراما، عبر مشاهد خمسة يستحضر الحليان خيوط مسرحيته، وعبر نموذجي المطرب الشعبي الذي أفنى أجمل سنوات عمره يؤدي فن الصوت وارتبط بتراث الآباء والجيل الآخر الذي يرى الشهرة والمال والجاه عبر الارتباط بالآخر، وهنا الإشكالية بين الأصالة والمعاصرة، بين ما كان وما سوف يكون، صراع بين عقليتين، إن المطرب الشعبي وهو يمسك بآلة العود، يمسك أيضاً بروح الماضي، ومع أن الزمن قد احنى عليه إلا أنه مازال مرتبطاً بذلك الماضي النبيل كما يراه، ولا يريد أن يرتمي في أحضان الأوركسترا!!إنه يرفض أن يكون مجرد رقم هلامي في الأوركسترا، لأن الموسيقى عبر الآلات والقائد لا علاقة له به، مع أن ابنه قد وقع عقداً معهم لأهداف خاصة بهم هو لا يهتم بالدولارات، لأنه لا يستطيع أن يكون جزءاً من اللعبة، ولا يستسيغ ألوان العزف لديهم، وحتى عندما يهدده المتعهد وكيل الفرقة بأنه سوف يخسر الملايين حسب العقد المبرم لا يبالي "بن تايه" ومع تعدد المساومات بين المتعهد والابن وبن تايه فالأمور لا تتغير، لأن بن تايه مصر على موقفه، والابن يبحث فقط عن مصلحته الآنية، حتى يعيش في حياة رغدة.إذا كان بن تايه والمتعهد والابن جزءا من اللعبة، فإن الحليان- المؤلف قد أوجد حالة أخرى، علاقة حب بين شاب وشابة، والعلاقة مغلفة بالفتور، كان حسن يوسف مؤدباً متميزاً ولكن من قامت بدور الشابة كان أداؤها خدمياً، وشكل نقطة مهمشة في جسر التواصل مع العرض، كان من المفترض أن يختار المؤلف المخرج مرعي الحليان فتاة أخرى تملك الحضور، لأنها مع الأسف شكلت نقطة الضعف في المسرحية، لعب المخرج بشكل رائع عبر الديكور البسيط والإضاءة بشكل مؤثرا في جل مشاهد العرض المسرحي، وحصد الممثل الذي أدى دور المطرب الشعبي القديم جائزة أفضل ممثل دور أولا وهو سالم العيان "بن تايه".هذا العمل فيه طرح إنساني جميل وعميق الدلالات.. بين فنان يحافظ على إرث الأجداد والآباء، وابن يبحث عن مكتسبات آنية حتى وإن دفع والده الثمن، علاقة غير متوازية، وصراع متنامٍ متصاعد منذ اللحظة الأولى حتى نهاية العرض.إن بن تايه مصرّ على موقفه، هذا الموقف المرتبط بالحياة.. لأن هذا الفن يستمد كينونته من الحياة.. من حياة الناس البسطاء أو كما يقول الابن في لحظة تحد.. تغني لغلاف ولغلاف وهو يرى أن ارتباط والده بإحياء بعض المناسبات كالأفراح والزواج، وعدد الحضور الذي لا يشكل لحمة مع هذا الفن ولا يحصد من خلال عمله سوى الفتات، أمر لا يستحق العناء، غاب عنه مع الأسف.. إن والده يستمد هذا الفن من حياة البسطاء ويقدمها لأقرانه من البسطاء.ماذا أراد أن يقوله وعي الحليان أكثر مما قال؟ لقد عرى الواقع الخريف وعرى العولمة التي تريد أن تمحو كل شيء أصيل مرتبط بالمجتمع والناس، وعرى واقع الابن الذي يلهب خلف القشور دون إحساس منه بمأساة ومعاناة والده، كما أن المشاهد الأخرى بين الشاب والفتاة تعري جزءاً من إشكالية الطبقية في المجتمع.