30 أكتوبر 2025

تسجيل

بين مطرقة الإرهابيين وسندان الحكومات

02 مايو 2015

في تقييمها السنوي لحرية الصحافة في العالم أصدرت لجنة حماية الصحفيين يوم 27 أبريل 2015 كتابا بعنوان "الاعتداءات على الصحافة: الصحفيون عالقون بين الإرهابيين والحكومات"، يشير التقرير إلى أن السنوات الأخيرة كانت الأكثر خطراً على الصحفيين بسبب اعتداءات الجماعات الإرهابية والحكومات التي تدعي بأنها تحارب هذه الجماعات. ويتعرض بعض الصحفيين للاختطاف أو التصفية الجسدية من قبل الجماعات المسلحة في حين يعاني آخرون من المضايقات والرقابة والاعتقالات والحبس على يد الحكومات بداعي الأمن القومي والمصلحة العامة. الإحصاءات تشير إلى اغتيال أكثر من 1000 صحفي منذ 1992 و21 منذ حلول العام الجديد، المشكلة لا تقتصر فقط على تصفية الصحفيين بل تهدد حق الجمهور في معرفة ما يحدث من حوله، فالهدف من التصفية الجسدية للصحفيين هو منعهم من تقديم الحقيقة للرأي العام سواء تعلق الأمر بالنزاعات والصراعات والحروب أو تجارة المخدرات أو الكشف عن الفساد واستغلال النفوذ..إلخ. هذه الإجراءات من شأنها تقويض الشفافية وحرية التعبير والصحافة وبذلك الديمقراطية والحكم الراشد.ففي مصر على سبيل المثال زاد الفضاء الإعلامي سوءا عما كان عليه قبل الثورة وأصبحت القاعدة المعمول بها هي " أن تكون مع السيسي أو أن تبتعد عن الفضاء الإعلامي"، وبفضل الدعم الإعلامي للنظام أصبح المشهد جاهزاً للعودة إلى إعلام موحد، متجانس، ومصطف مع الدولة ينظُر ويسبح ويبجل النظام. فكل الوجوه الإعلامية وأصحاب المؤسسات الإعلامية والصحفيين الذين تألقوا وفرضوا وجودهم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وجدوا أنفسهم في خدمة رئيس جديد ونظام جديد لا يختلف عن سابقه. واليوم، يجري تطهير وتنقية الساحة الإعلامية من الكثير من مقدمي البرامج التلفزيونية الذين بروزا بعد ثورة 25 يناير أو الذين يُعتبر تأييدهم للسيسي دون المستوى وذلك عبر إجراءات تنظيمية إعلامية داخلية في الغالب. حدثت حالات من التدخل الحكومي المباشر أو الرقابة، أدت إلى إغلاق القنوات الإسلامية المعارضة، الفضاء الإعلامي المصري اليوم بات يمثل بشكل أساسي صوت الدولة العسكرية، ظهر هذا الاتجاه بكل وضوح في فترة الحملة الانتخابية التي سبقت الاستحقاقات الرئاسية، ففي المقابلات التي أجرتها قنوات تلفزيونية كبيرة مع السيسي وحمدين صباحي كان الفرق في التعامل مع المرشحين للرئاسة واضحاً. فقد تم تسجيل مقابلات تلفزيونية مع السيسي في أماكن خاصة حيث ظهر فيها وهو يجلس مع محاوريه بكل أريحية وثقة وفي جو ودي. في المقابل تمت مقابلة المرشح صباحي في استوديوهات على الهواء مباشرة مع صحفيين من الطراز الاستقصائي المقاتل والمستفز حيث إن النية كانت واضحة للعيان وهي النيل من الضيف، لقد عومل صباحي على أنه مرشح المعارضة فيما عومل السيسي على أنه الرئيس القادم. عندما كان السيسي وزيراً للدفاع، كان من بين الأوامر الأولى التي أصدرها بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي إغلاق صحيفتين وتسع محطات تلفزيونية خاصة مؤيدة لمرسي تبث من خارج مصر. ومن ثم زُّج بكثير من موظفي ومالكي القنوات في السجن. وكان من الواضح أن العلاقة بين النظام والإعلام ستتخذ منعطفا خطيرا يعصف بكل ما هو إعلام ملتزم ومسؤول في خدمة المحرومين في المجتمع. فالأيام الأولى للسيسي في الحكم كانت بمثابة ثورة عارمة على كل من هو ليس مع النظام. لقد أدى الانشغال الواضح للدولة بدور الإعلام إلى النتائج المنشودة، فقد حول الإعلام الشعبي تغطيته نحو دعم الحكومة، وقد أفضى ذلك حتماً إلى تغطية منحازة ورقابة داخلية. ورغم أن الكثير من الصحفيين يواجه خطراً حقيقياً من جراء تغطية احتجاجات الإخوان المسلمين أو أنشطة ذات صلة بهم، غير أن قدرتهم على القيام حتى بواجبات روتينية أضحت مقيدة بالهرمية الإعلامية التي تأخذ إشارة التحرك من النظام. وللأسف يترجمها كثير من المؤسسات الإعلامية بحيث يصبح معناها أن كل من لديه رأي مخالف لرأي الدولة يجب منعه.تعاني الصحافة في معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من شح كبير في الاستقلالية والحرية بسبب الخطوط الحمراء الظاهرة والخفية، ومن هنا لجأ النشطاء والصحفيون إلى مواقع التواصل الاجتماعي ليكتبوا عن قضايا ذات اهتمام شعبي أو يعلقوا عليها. لقد ملأ التدوين والنشر على الفيسبوك وتويتر الفراغ الذي أحدثته هيمنة الإعلام المُسيّر من قبل الدولة والافتقار إلى الصحافة المستقلة في المنطقة قبل عام 2011. اتخذت السلطات التي تستشعر التهديد من جهود الإصلاح الداخلية أو النقد بعد الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا واليمن في عام 2011 إجراءات رهيبة للتشديد على صحافة الإنترنت وحرية التعبير في الإطار الافتراضي. ولم تعد شبكة الإنترنت ملائمة للصحافة المستقلة كما كانت سابقاً، لأن الحكومات المناوئة للديمقراطية قضت على الفروقات القانونية بين التعبير عبر الشبكة والتعبير عبر غيرها. ومن المحتمل أن يعاني الفضاء الرقمي بالنسبة للصحافة المستقلة وحرية التعبير من تقييد أكبر جراء القوانين المقيدة والرقابة والرقابة الذاتية الناتجة عن ذلك. في ظل هذه البيئة، تم تمرير، أو تحديث، قوانين ضد زعزعة النظام العام ونشر أخبار كاذبة ليتم تطبيقها على عملية التعبير عن الرأي على شبكة الإنترنت - وكل ذلك باسم الحفاظ على الاستقرار والأمن ومحاربة الإرهاب وتجنب حالة الفوضى. ويواجه الصحفيون الذين يخالفون هذه القوانين عقوبات جنائية تشتمل أحكاما بالسجن لمدد طويلة وغرامات كبيرة. في البلدان التي تبنت دساتير جديدة غداة انتفاضات شعبية أو التي تبنت دساتير جديدة في محاولة لكبح تلك الانتفاضات، أُدرجت في الغالب أحكام تعالج تحديداً موضوع الصحافة الرقمية والتواصل عبر الشبكة. ففي مصر، صدر دستور عام 2014 قام بتنظيم الصحافة عبر الإنترنت بينما لم يكن يعيق حرية الصحافة الرقمية قبل ذلك أي شيء تقريباً.إن صياغة القوانين بلغة مبهمة ونعت النقد بالممارسات الإرهابية أو تهديد الأمن الوطني أدى -على نحو آخذ في التزايد- إلى خلق وضع محفوف بالمخاطر بالنسبة لصحفيي الإنترنت. وفي الوقت ذاته، تم توسيع نطاق أنظمة الترخيص التي تقيد حرية التعبير في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع لتشمل صحافة الإنترنت. ويبدو أن الهدف من اشتراط تسجيل المواقع الإخبارية والمدونات لدى الحكومة وحجب المواقع التي لا تتقيد بذلك هو وضع التواصل عبر الإنترنت تحت المراقبة والسيطرة على أمل الحيلولة دون تأجيج الصحافة المستقلة لمشاعر الاستياء الداخلي والمطالبة بالعدالة الاجتماعية ومحاكمة الخارجين على القانون والعابثين بالمال العام. وترى جيسيكا ديير، وهي من مؤسسي منظمة "تبادل الإعلام الاجتماعي"، أن الهدف الوحيد الذي تضعه حكومات المنطقة نصب أعينها فيما يتعلق بالإنترنت هو الحفاظ على السلطة على افتراض أنها إن تمكنت من السيطرة على المعلومات فإنها تستطيع السيطرة على النتائج. وقالت إن "كل ما تقوم به الحكومات العربية الآن يتمحور حول محاولة السيطرة على الإنترنت. كل التشريعات التي تم اعتمادها خاصة منذ الربيع العربي -وحتى قبله- تدور حول محاولة السيطرة على الإنترنت، وإن الطريقة التي تُعامل بها الحكومات النشطاء وتعتقلهم وتضايقهم بها تدور كلها حول السيطرة على الإنترنت". وعملت معظم الدول العربية على توسيع نطاق القوانين القمعية للصحافة بحيث شملت إعلام الإنترنت في خضم الثورات التي ضربت في تونس ومصر في يناير من عام 2011. في الكويت على سبيل المثال تم إصدار قانون يمنح السلطات صلاحية إغلاق المواقع وتقييد إمكانية الدخول إلى شبكة الإنترنت دون إبداء السبب وذلك بحجة حماية الأخلاق العامة أو الاستقرار والأمن القومي.