20 سبتمبر 2025
تسجيلجرت الأحد الماضي في قبرص التركية انتخابات لرئاسة الجمهورية، وقد انهزم الرئيس الحالي درويش أراوغلو أمام المرشح مصطفى أكينجي الذي نال ستين في المائة.أكينجي البالغ من العمر 68 عاما يعتبر مرشح اليسار ومن الداعمين بقوة لإيجاد حل سريع للمشكلة القبرصية خارج أي صدام.الآمال مع وصول أكينجي عبر عنها رئيس جمهورية قبرص الجنوبية المعترف بها دوليا نيكوس اناستياديس الذي قال إنه متشوق للقاء أكينجي وإن انتخابه باعث للأمل ولتوحيد الجزيرة مجددا.الرئيس القبرصي التركي الجديد أطلق بعد انتخابه سلسلة من المواقف التي تريد لقبرص أن تكون واحدة ولكن بالطبع ضمن نظام فيدرالي يساوي بالكامل بين شطري الجزيرة.غير أن ما لفت أن هناك احتمالا لوجود تباين في وجهات النظر بين أكينجي والمسؤولين الأتراك حول حل المشكلة القبرصية.بل إن نظرة اكيجي إلى العلاقات بين بلاده والجمهورية التركية مختلفة عن سابقيه. إذ إن العلاقة بين تركيا وقبرص التركية كانت توصف بالعلاقة بين "الوطن الأم" و"الوطن الصغير" كما هي العلاقة بين الأم وصغيرها. أما أكينجي فقال إنه ليس منطقيا أن تبقى قبرص بمثابة الطفل الصغير في العلاقة مع تركيا، وقال لا نريد علاقة بين أم وابنها الصغير بل علاقة بين شقيقين.هذا الموقف لاقى انتقادا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أنّب اكينجي قائلا إنه يجب أن يسمع بأذنيه الذي يخرج من فمه، ورد عليه أكينجي قائلا إنه يقف خلف كل كلمة يقولها وإنه إضافة إلى أنه يسمع بأذنيه يصغي أيضا إلى صوت ضميره ويقول ما يوحي له قلبه وعقله. وقال إنه غير سعيد أن يبدأ عهده بهذه السجالات وإنه بصراحة منزعج.إذا كان ممكنا إحراز تقدم في المحادثات من أجل توحيد الجزيرة بمجرد وجود شخصية تريد الحل مثل أكينجي فإن هذا غير كاف للوصول إلى خواتيم للحل.ففي السابق تناوب على السلطة في قبرص التركية كل من زعيمها التاريخي رؤوف دنكتاش ومن ثم محمد علي طلعت الذي كان أقل تشددا قوميا ووقف خلف طلعت حزب العدالة والتنمية.ومن ثم عاد درويش أراوغلو إلى الرئاسة كامتداد لدنكتاش الذي توفي لاحقا. واليوم يخرج أراوغلو من الرئاسة ليأتي رجل أكثر مرونة لحل المشكلة.وكيفما كانت توجهات الرئيس القبرصي التركي وحكومته فإنها غير معترف بها إلا من تركيا، حتى بنغلادش سحبت اعترافها.وقبرص التركية مرتبطة كلية ومن كل النواحي بتركيا التي تعتبر "الوطن الأم" فعلا لا قولا، وتركيا هي التي حمت أتراك الجزيرة من محاولات تذويبهم من جانب القبارصة اليونانيين بمساعدة اليونان في أكثر من مناسبة دموية.وتركيا هي أحد الضامنين الثلاثة مع اليونان وبريطانيا لمنع تغيير الوضع القائم الذي كان قبل العام 1974. وعندما حدث ذلك العام انقلاب في قبرص وبدأ القبارصة اليونانيون مسعى "يوننة" كل الجزيرة تدخلت تركيا في عهد رئيس الحكومة بولنت أجاويد واحتلت القسم الشمالي منها لحماية الوجود القبرصي التركي.ومنذ ذلك الحين فإن الجزيرة مقسمة بل أنشأت أنقرة هناك جمهورية برعاية لم تعترف بها حتى الآن أي دولة في العالم.تقدم تركيا سنويا إلى قبرص التركية مليار دولار لمساعدتها على الوقوف على قدميها.وتركيا تحمي مصالح القبارصة الأتراك بمحاولة حماية ثروتهم النفطية ومنع مصادرتها من جانب قبرص اليونانية.التحدي الآن أن القبارصة الأتراك انتخبوا وبأكثرية كبيرة مصطفى أكينجي لأنه قال بضرورة الحل للمشكلة، أي أن القبارصة الأتراك لم ينتخبوا أكينجي إلا لهذا السبب. والتحدي الثاني أن أنقرة بمعزل عمن يحكمها هي توظف الورقة القبرصية أيضا لمصالحها.وفي النهاية فإن الكلمة الفصل هي للأقوى في العلاقة الثنائية أي الجمهورية التركية فيما سعي القبارصة الأتراك للتحرك بصورة مستقلة عن أنقرة سيحولهم لقمة سائغة بيد "العدو" اليوناني.وفي النهاية مهما حاول الرئيس القبرصي التركي الجديد التمايز عن الحكومة التركية فإن أنقرة ستبقى مربط الخيل الأخير "للطفل الصغير".