10 سبتمبر 2025
تسجيلرغم قيام السعودية بسحب سفيرها لدى مصر للتشاور وإغلاق سفارتها وقنصليتها في مصر، إلا أن حجم وقوة العلاقات الاقتصادية والسياسية بل والاجتماعية ستدفع الطرفين إلى سرعة تجاوز ما حدث لتعود العلاقات إلى طبيعتها. حيث توجد علاقات تجارية ضخمة تربط البلدين واستثمارات مشتركة في كلا البلدين، واستثمارات سعودية بالبورصة المصرية وعمالة مصرية بالسعودية، وتحويلات مالية كبيرة من قبل العمالة المصرية بالسعودية، وسياحة ضخمة للسعوديين بمصر، كذلك توجد سياحة للمصريين بالسعودية في إطار رحلات الحجم والعمرة وسياحة المشتريات التي يتميز بها المصريون خلال تواجدهم بأراضي المملكة. كما توجد ودائع وأرصدة مالية سعودية بمصر، وودائع للمصريين بالبنوك السعودية، واستثمارات للمصريين بالسعودية بالبورصة السعودية، وعلى الجانب الآخر هناك ديون مصرية لصالح السعودية ومساعدات سعودية لمصر. وهكذا توجد استفادة متبادلة ما بين البلدين، فإذا كان هناك فائض تجاري لصالح السعودية في علاقاتها التجارية السلعية مع مصر، بلغ 910 ملايين دولار بالعام المالي 2009/2010، فإن هناك فائضا لصالح مصر في تجارتها الخدمية مع السعودية، وإذا كانت هناك استثمارات للسعوديين في مصر تقوم بتشغيل حوالي مائة ألف مصري. فإن هناك استثمارات لمصريين بأراضي المملكة مباشرة وغير مباشرة، وإذا كان السياح السعوديون يتميزون بطول فترة الإقامة بمصر وبالإنفاق المرتفع خلال إقامتهم بها وتجولهم مابين عدة مدن منها الإسكندرية وشرم الشيخ، فإن المعتمرين والحجاج المصريين يتميزون بعلو نسب إنفاقهم خلال تواجدهم بأراضي المملكة. وإذا كانت هناك ودائع للسعوديين في البنوك المصرية فهناك ودائع للمصريين العاملين بالسعودية في بنوك المملكة، وإذا كان تواجد حوالي مليون ونصف المليون مصري بالسعودية يدرون على مصر قدرا من التحويلات المالية سنويا، فإن هذه العمالة تساهم بشكل كبير في تحقيق التنمية بالمملكة، خاصة في القطاعات الخدمية التي لا يقبل السعوديون على العمل بها، كما يساهم إنفاقها في تحريك الأسواق هناك بشكل جزئي. كذلك توجد علاقات نسب ومصاهرة بين كثير من الأسر المصرية والسعودية منذ سنوات طويلة، وتتميز العمالة المصرية بالمملكة بالاستغراق في أداء الأعمال المطلوبة وعدم الانخراط في أنشطة سياسية أو نحو ذلك بما يؤدي إلى استقرار الأوضاع هناك، بعكس ما حدث من توترات من قبل نوعيات من الآسيويين في بلدان خليجية مثل الإمارات، كذلك تجانس العادات والتقاليد بين المصريين والسعوديين بعكس الحال مع العمالة الآسيوية. كذلك تساهم سياحة السعوديين العلاجية بنصيب كبير من إيرادات المؤسسات العلاجية الاستثمارية المصرية، رغم المنافسة التي تلقاها من المستشفيات العلاجية في كل من الأردن ولبنان. وفي الوقت الحالي هناك توافق سعودي مصري تجاه الأوضاع في لبنان وتوجس مشترك من التحركات الإيرانية، وحاجة مصرية من السعودية لمساندتها ماليا لسد جانب من العجز بالموازنة المصرية، ولتعوض نزيف الاحتياطي من النقد الأجنبي، وهو ما وعدت به السعودية وبدأته بتقديم نصف مليار دولار، وللسعودية مصلحة في وقوف مصر على قدميها لتواجه مطامع إقليمية بالمنطقة. ومكانة السعودية الدولية والإقليمية تعد بمثابة عامل قوة لمصر، فعندما تكون السعودية هي الأولى عالميا في تصدير البترول، وتصل قيمة صادراتها خلال العام الماضي 351 مليار دولار تمثل المركز الخامس عشر دوليا من حيث قيمة الصادرات، فهذا يساعد على حصول مصر على نصيب جيد من السياحة السعودية الخارجة. وحصول مصر على جانب من الاستثمارات السعودية بالخارج سواء المباشرة في شكل إقامة مشروعات أو في البورصة المصرية، وحصول المصريين العاملين بالسعودية على دخول جيدة تمكنهم من تحويل جانب منها إلى أسرهم في مصر، بل إن بلوغ قيمة الواردات السلعية السعودية خلال العام الماضي 5ر106 مليار دولار من شأنه تعزيز قدرتها على المزيد من استيراد السلع المصرية. وعندما يصل الفائض بالموازنة السعودية إلى 5ر82 مليار دولار فهذا من شأنه زيادة القدرة على المساندة المالية لمصر، والإسهام في شراء أدوات الدين المصري من أذون وسندات خزانة أو إيداع جانب من استثماراتها بالبنوك المصرية بالدولار لدعم تلك الأرصدة من العملات الأجنبية. المهم أن يستفيد الطرفان مما حدث لتفويت الفرصة على أطراف تسعى لإيجاد توتر في العلاقات المصرية مع السعودية، مستندة إلى قلة الشفافية فيما يخص بعض الملفات مثل المصريين المحتجزين بالسعودية ونظام الكفيل، في إطار صراعها مع القوى الإسلامية الصاعدة في مصر، ولعل سرعة التحرك لمواجهة أي أحداث قادمة درس أساسي مستفاد.