19 سبتمبر 2025
تسجيللقد اعتنى الإسلام بالأخلاق عامة في جميع جوانب الحياة وأولى الأخلاق السياسية اهتماماً فائقاً وجعل الحكمة في فم هذه الأخلاق وأقام عليها حارسا يقظا سماه الأمانة واعتبرها من أبرز القيم الخلقية للحاكم خاصة ولبني البشر عامة (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، "الأحزاب: 72"، وحرم الله الخيانة في أي مجال كانت، خاصة إذا نجمت بين الحاكم والشعب لأنها بذلك خيانة لمجموع الأمة لا لفرد وجماعة بعينها قولا أو فعلا أو حالا وتصرفا أو مشت على رذيلة السياسة الميكيافيلية: الغاية تبرر الوسيلة لأن الإسلام يعتبر النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ ومتى استحلت لنفسها وسيلة خسيسة فلا يمكن أن تظل محافظة على غاية شريفة كما قال سيد قطب في الظلال 3/1542 ولأن الغاية واحدة عند الحاكم والمحكوم في الإسلام وهي ابتغاء مرضاة الله، فالحاكم يسهر على مصلحة المحكوم والمحكوم يطيع الحاكم في غير معصية والذريعة الميكيافيلية كلها معصية وجناية وخيانة لأنها تفصل بين غايات الجانبين، إذ غاية الحاكم فيها العظمة بل جنون العظمة والغطرسة، كما نرى اليوم عند البعض وكذلك محبة الشهرة والزعامة وإن كانت زائفة وكذلك القوة التي ترهب المحتجين والمخالفين له في الآراء فلا يحاور إلا بالتهديد والسلاح متجاهلا أن الحق بطبيعته أشد من القوة وأن الشعب أقوى من السلطة في نهاية المطاف، ومن هنا رأينا أن الحق تعالى يبغض كل خائن لأنه لا يمكن وصفه بالإيمان والإسلام ما لم يتب إلى الله (إن الله لا يحب الخائنين)، "الأنفال: 58"، والحاكم الخائن يزيد سوءاً حينما يعلم الناس أن الأمانة خيانة وأن الخيانة أمانة، كما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علامات آخر الزمان الذي يخون فيه الأمين ويؤتمن الخائن، وهكذا يصبح الإنسان الخلوق الملتزم خائنا وإذا تحرك بأي قول أو عمل ضد الحاكم فهو الخائن الذي يجب أن يلجم ويسجن ويعذب بل يقتل بل يمثل به، وبالعكس يوصف كل خائن مرذول عديم الدين والخلق متآمر على ثوابت الأمة هو المعتمد سندا وبوقا دائما لهذا الحاكم فيقدم ويكرم وهكذا يرتفع التحوت على الوعول في آخر الزمان كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: وما التحوت؟ قال: أسافل الناس، قيل وما الوعول؟ قال: كرام الناس وإنه كم يؤسفنا ويؤسف كل حر ما نراه في بلدنا الغالي سوريا من مظالم وجرائم وفظائع يندى لها جبين الإنسانية والأخلاق الفاضلة في هذه الأحداث التي تعصف بالوطن والشعب في معظم المحافظات والقرى مثل دمشق وحمص وحماه وحلب أحيانا واللاذقية وبانياس وتلبية وطرطوس وجبلة وسلمية والرستن ودوما والتل وجوبر وداريا والكسوة والسويداء والجولان.. خاصة درعا البطلة التي كانت مهد الاحتجاج الثوري المسالم عن طريق الجهاد المدني التي لم تعد تحتمل الجور والتجاوز وقدمت الشهداء بالدم الغزير مع أخواتها كبعض ثمن للحرية، وظن المساكن الطيبون أن الحاكم وحزبه يمكن أن يرضوهم ببعض الإصلاحات الشكلية كتغيير المحافظ مثلا لا التغيير الحقيقي بتلبية مطالب المحتجين الاجتماعية والسياسية وجعل سوريا بلدا للحرية والعدالة لا سجنا كبيرا لأهلها فما كان ممن وصف درعا بالشهامة والكرامة والشجاعة قولا إلا أن رجع إلى طبيعته فجهز عدته بالدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة يوجهها إلى حوران ودرعا فيها لا إلى الجولان المحاذية لها، حيث لا يستطيع ومن معه حتى أن يحملوا بندقية صيد فيها فضبط النفس مطلوب بكل إتقان حيالها أما على شعبه وبلده فلا كما قال الشاعر: كل امرئ راجع يوما لشيمته وإن تخلق أخلاقا إلى حين ثم لا يهم بعد ذلك أن يجري الذعر في درعا وتحاصر من كل المنافذ وتغلق الحدود مع الأردن ويقطع الماء والكهرباء عن أهلها وتشح المواد الغذائية بما فيها حليب الأطفال ويصرخ الكهول وتستغيث ذوات الخدور والعجائز ولكن أين الرحمة، إذ فاقد الشيء لا يعطيه وإذا عرف السبب بطل العجب فلا مكانة للأخلاق السياسية عند هؤلاء أبدا، القتلى في الشوارع والجثث تتفسخ والجرحى لا يعالجون ومن يمضي لينقذ هؤلاء لابد من اصطياده حتى لو كان من النساء بل خرجت مظاهرة نسائية صامتة منذ يومين في دمشق تضامنا مع درعا لفك الحصار عنها فاعتقلت الإحدى عشرة امرأة منهن وما زلن في السجن فأين المعتصم وشهامته، كما قال أبوريشة: لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم ولم تجد عشرات آلاف الحناجر في جمعة الغضب أن فكوا الحصار عن درعا أبدا، وكأن درعا هي تل أبيب معاذ الله فدولة المقاومة والممانعة شعارها أنه لابد من تطهير درعا الحدودية الباسلة وإبادة ضميرها ثم يأتي دور إسرائيل على مزاعمهم التي لم تطلق رصاصة واحدة على أهلها لا في الجولان ولا غيره منذ أكثر من أربعة عقود والذي أقنع الجميع كما قال عدة مفكرين صهاينة إن الحكم في دمشق اليوم هو أفضل لنا لأن الجبهة هادئة مع سوريا وما ندري من يأتي غير هؤلاء وكيف ستصير الأمور بعد ذلك؟ إن الأبواق التي تدخل على القنوات الفضائية وتمثل وجهة النظر الرسمية للنظام لا تفتأ تكذب كرؤسائها وتفتري وتبدل وتغير في الكلام وتدافع عن مواعيد عرقوب الإصلاحية وتخون معهم الأمانة لهي الصفات الذميمة التي تحققت قبل ذلك في أمثالهم ممن نعتهم رسول الله بقوله: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" وإن قوات الأمن التي لم تقصر في إزهاق أرواح شباب الثورة المؤمنين واعتقال آلاف الشرفاء الأحرار بدرعا وهي تبحث في هجمتها التفتيشية الشرسة عن أعضائها الذين استقالوا طوعا من حزب البعث الحاكم وتبحث عن المفتي البطل الذي ستقال أيضاً لتؤدبهم أو تقتلهم أو... لأنها لا يمكن أن تتفهم الرأي الآخر وكان ما كان ويكون إذ ما زال الحصار مستمرا ومازال العديد من الأسر تهرب باتجاه الأردن، ثم يتوج هذا النصر لهؤلاء الظلمة بأنهم اقتحموا المسجد العمري في درعا.. إنه لنصر كبير إذ أن هذا المسجد هو منطلق احتجاجات الشباب وهو الذي ادعت السلطة كذبا وزورا أن فيه مسلحين وأسلحة. نعم لقد وضعوا فيه الأسلحة من قبل وهربوا وادعوا أن هذه هي أسلحة الشعب وتلك وأمثالها رواياتهم الكاذبة التي لا تعرف الحقيقة أبدا وقد بات الجميع يعرفون أن الإعلام السوري الرسمي كذاب بامتياز ولا أدل على ذلك بأنهم لم يسمحوا ولن يسمحوا لأي إعلام عربي أو غربي محايد بالاطلاع على الأوضاع كيلا يفتضحوا ويدعوا دون خجل أن التلفزيون السوري وحده الذي يعرض الحقيقة كبرت كلمة من أفواههم وأفواه الطبالين الزمارين منهم الذين سبقوا مسيلمة في الكذب وخانوا الله ورسوله والجماهير في سوريا وغيرها ولم يعولوا في جميع مداخلاتهم إلا على الشخصية ومدح سيادة الرئيس المعجزة. ولم يميزوا بين الوفاء والغدر والاستقامة والانحراف وحفظ الدماء أو التعطش لها بكل قسوة ووحشية بل لم يترحموا على شهداء الشباب لأنهم في عرفهم أعداء ولم ينصحوا الراعي الذي يجب أن يكون رحيما شفافا حريصا على النفوس بل كان متوعدا بأنه جاهز للمعركة، إنها شجاعة لم يصل إليها شارون من قبل! ومع ذلك يستشهد بالقرآن وهو كما قال علي: من ضيع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرأ من الديانة ولذلك كان المتظاهرون محقين في شعاراتهم: كل من يقتل شعبه خائن والراعي الذي يفتخر بالذئب لا يحب الخراف كما قال ديدرو وإنه ربما تنجح الخيانة مؤقتا كما في حصار درعا ولكن النتيجة أن الخائن يكرهه الجميع وللتاريخ الذي يسجل حساب عسير لمن ليس له أخلاق في السلم والحرب. [email protected]