14 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن لتركيا ناقة ولا جمل في المشهد الكئيب الذي طبع علاقاتها مع دول الجوار خلال السنوات الثلاث الماضية. وربما تتحمل بعض المسؤولية إن لم يكن كلها على مذهب "عنزة ولو طارت" لكن المؤكد أنها اليوم غدت محاصرة أكثر من أي وقت مضى. توتر العلاقات لم يبق حبيس الحدود الإقليمية أو المجال الحيوي لتركيا، وإنما طال علاقاتها الراسخة تاريخيًا مع حلفائها في حلف الناتو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. لا شك أن برودا ملحوظا في العلاقات بين الرئيسين التركي والأمريكي قائم حاليًا. يقال إن الأسباب مرتبطة بعدة قضايا أبرزها الملفّ السوري ومزاعم غربية عن ضغوط تمارسها الحكومة التركية ضد حرية الصحافة. يختصر الرئيس الأمريكي القول عند الحديث عن نظيره التركي بأن "الواقع خيب الآمال" في إشارة إلى رهان سابق له أن أردوغان يمثل نهجًا معتدلًا ينبغي أن يحتذي به قادة الدول الإسلامية. الانطباع نفسه موجود عند الرئيس التركي عن نظيره الأمريكي. فقد صرح أكثر من مرة وفي نبرة تشي بغضبه من سلوك أوباما في الشرق الأوسط: على واشنطن أن تختار بين دعم المنظمات الإرهابية، في إشارة إلى العمال الكردستاني، وبين حليفتها أنقرة. كما لم يتردد في إظهار ريبته وقلقه من حلفائه الغربيين أنهم يخططون لتقليم أظافر تركيا وتقزيمها في دور صغير يراد لها أن تلعبه ضمن جوارها الإقليمي.أوجه التنغيص كثيرة هذه الأيام.. رغم وجوده في واشنطن لأربعة أيام في إطار مشاركة تركيا في قمة دولية حول الأمن النووي لم يكن على جدول لقاءات أردوغان اسم بارك أوباما، وإن جاء إلى مقر إقامته في السفارة التركية نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري. ولأول مرة منذ عام 1997 هيئة أركان الجيش التركي، في تصريح غير اعتيادي تنشره على موقعها الإلكتروني جاء فيه: "الانضباط والطاعة غير المشروطة والخط القيادي الواحد هي أساس القوات المسلحة التركية". وهو ما فُهم بأنه ردّ على مقالة للمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية "مايكل روبن"، المنشور في صحيفة "نيوزويك" الأمريكية بعنوان "هل سيكون هناك انقلاب ضد أردوغان في تركيا؟" حيث يتساءل عن إمكانية حدوث انقلاب عسكري بعد أن يكيل عدّة اتهامات لأردوغان، من التضييق على الصحافة إلى النزعة التسلطية المتزايدة لديه، مرورا بإنفاق الملايين على قصره الخاص، ومحاربته الشاملة للمكوّن الكردي. لخطورة المقالة اضطرّت المؤسسة العسكرية التركية أن تردّ عليه بطريقة أثارت الاستغراب وأعطت صدقية للشكوك التي أثارها روبن أو على الأقل كشفت حجم الغضب والانزعاج الذي طال أنقرة لا سيما وأن توقيت نشرها تزامن مع وجود أردوغان في واشنطن.لم تكن المقالة تغريدة خارج سياق عام تعيشه العلاقات الأمريكية التركية. ففي الوقت الذي كان أردوغان يطل على المشاهد الأمريكي عبر مقابلة أجرتها معه شبكة CNN الأمريكية، كانت ورقة تصل طاولته حملت عنوان "رسالة مفتوحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان" مزيلة بتوقيع 48 شخصية سياسيّة ودبلوماسية أمريكيّة وصفوا أنفسهم بأنهم"أصدقاء تركيا" في واشنطن. جاء في الرسالة أن "التفاؤل صاحب العديد من أصدقاء تركيا في واشنطن خلال العقد الماضي حول إمكانية تحولها إلى دولة ديمقراطية مستقرة وفعالة وكذلك إلى حليف قوي للولايات المتحدة، ولكن التطورات الأخيرة في تركيا تبعث على قلق عميق".كانت رسالة هؤلاء تزاحمت على مخيلته مع التفجير الذي وقع في ديار بكر جنوب البلاد موديًا بحياة ضباطًا من الشرطة التركية. وقد ترجم أردوغان واقع حال تركيا اليوم بقوله "تركتنا الدول الغربية لوحدنا، ولم تستجب لتوقعاتنا في مجال المعلومات الاستخبارية..طالما دعونا الدول الغربية لاتخاذ موقف موحد إزاء الإرهاب، ولكن العديد من الدول الأوروبية لم تأخذ هذه الدعوات مأخذ الجد"، آملًا أن يرى الغرب حقيقة الإرهاب الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني مثلما يرى إرهاب تنظيم داعش.