19 سبتمبر 2025
تسجيلأخطر ما يحيط بالأمة العربية في هذه المرحلة هو هشاشة مناعتها تجاه التحديات الخارجية. ومنذ انهيار السلطنة العثمانية في العام 1918 واستبدالها بالاحتلال الإنجليزي والفرنسي في بلاد الشام وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج العربي، كان هناك هدف واحد أمام الشعوب العربية وهو التحرر من الاحتلالات والانتدابات الجديدة. أي كان هناك هدف مركزي تسعى الأمة إليه. ولقد تحقق ذلك على مراحل وإن طال لعقود طويلة.من الاستعمار المباشر إلى التحرر وبكلفة تستحقها الحياة الكريمة، اندفعت الشعوب العربية إلى مرحلة أبعد عندما سعت إلى التوحد بينها هنا وهناك. كانت الوحدة الأشهر بين مصر وسوريا وكانت وحدة الإمارات الخليجية فيما عرف باسم الإمارات العربية المتحدة. وجرت محاولات توحيد أخرى لم تدم أو لم تنجح.ومن ثم انقلبت الأمور رأسا على عقب. وبدأ مسار انحداري من اتفاقيات السلام مع إسرائيل من جانب مصر والأردن أخرجت البلدين من الصراع العربي- الإسرائيلي، إلى اتفاق كان أسوأ ما يكون عليه اتفاق بين عدوين وهو اتفاق أوسلو الذي لم يحرر الفلسطينيين بل أزاح عبء تحمل إسرائيل مسؤولياتها كبلد محتل للضفة الغربية وقطاع غزة وحوّلت الشرطة الفلسطينية إلى شرطة لا تقدم شيئا لعملية الاستقلال. وكان الابتعاد عن النضال المسلح فرصة للاحتلال الإسرائيلي لكي يواصل قضم الضفة الغربية بقطعان المستوطنين الذين يزدادون يوما بعد يوم فيغيّرون من الوقائع على الأرض لتصبح عملية التحرير في حال انطلقت أكثر صعوبة.لكن الأزمات والحروب والاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية منذ أكثر من خمس سنوات كانت القشة التي قصمت ظهر بعير كل الآمال في عملية انتقال نحو مستقبل أكثر حرية وديمقراطية واستقلالا وتقدما.مرحلة الربيع العربي انقلبت وبالا على الأمة. ومن آمال عريضة على فتح كوة بل نوافذ في جدار التخلف إذا بالفوضى الدموية هي التي تحل محلها.تقاتل العرب فيما بينهم ودخلت قوى إقليمية ودولية على الخط تتصرف كما لو أن المنطقة العربية مستملكة لها تدير وتوجه وتسلح هذا ضد ذاك وترسم الخرائط كما لو أنها مجرد قالب حلوى تنغرز فيه السكين بسهولة غير متوقعة إلى هذا الحد.سواء في سوريا أو في ليبيا أو العراق أو حتى مصر كما في اليمن، رفع الأخ السلاح ضد أخيه والعشيرة ضد جارتها في الأرض والكلأ. وارتفعت نخوات الأعراق والإثنيات والقبائل. وشحذت سكاكين المذاهب والأديان. وبات الواحد يقاتل أخاه في الحي والقرية. وليس أبلغ على هذا المشهد مما حدث ويحدث في سوريا وفي العراق وفي ليبيا. في ليبيا لا يعرف من هي السلطة ومن هي المعارضة. كلهم سلطة وكلهم معارضة. وحيث يوجد نظام مركزي لم تكتف المعارضة برفع الصوت والسلاح بل توزعت حتى يكاد يبلغ عدد الفصائل المعارضة العشرات بل أكثر. بل هي لا تتفق على محاربة جهة محددة هي النظام افتراضا بل دخلت في صراعات بينية أطاحت بالهدف الأساسي من وجودها.هذه الهشاشة القاتلة في الاستسلام لنزعات التقسيم والشرذمة سواء الجغرافية أو الاجتماعية وبالطبع السياسية أظهر أن هذه الشعوب لم تتعلم من تجربة سايكس بيكو ومن ضعف وخواء الأنظمة التي ورثت الاستعمار.لقد أظهر العرب أنهم لم يقرأوا التاريخ وإن قرأوه فبعين حولاء. لم يستطيعوا أن يتجاوزوا غرائزهم البدائية ليؤسسوا دولة الحداثة والمعاصرة. لم تعد العصبيات القبلية والمذهبية والمناطقية معيارا صالحا لإنشاء الكيانات السياسية. لم يتعلموا من درس الاتحاد الأوروبي الذي بالكاد خرج من الحرب العالمية الثانية وبخمسين مليون قتيل ليبني اتحادا يتجاوز العصبيات والأحقاد والنعرات الدينية والمذهبية، وهي كثيرة في أوروبا.لقد أثبتت نماذج الحلول القائمة على المحاصصات الطائفية أو العرقية كما في لبنان أو العراق بعد الاحتلال، أنها ليست الحلول البناءة والمستدامة بل هي حاملة للمزيد من المشكلات وتعميق الأزمات والخلافات. وحدها العدالة والمساواة التي أساسها الانتماء والولاء للوطن وضمن عدالة تحفظ حرية الجميع في التعبير عن هويتهم وثقافتهم ومعتقداتهم في إطار الهوية الوطنية الجامعة، وحدها قادرة على طي صفحة التخلف وبدء مرحلة الأمل والاستقرار والرفاهية. لكن السؤال: كيف؟