15 سبتمبر 2025
تسجيلبإعلانه الترشح لمنصب رئيس الدولة يكون وزير الدفاع المصري المستقيل، ورجل المخابرات السابق، عبد الفتاح السيسي، قد قرر المضي قدما على خطى الرئيس الروسي، ورجل المخابرات السابق أيضا، فلاديمير بوتين. فبعد أن استهل برنامجه الخارجي بزيارته في موسكو، وظهر خلال اللقاء مدى انبهاره به، تبين أن هذا الإعجاب لم يعكس فقط الرغبة في جلب الدعم أو السلاح الروسي، وإنما أيضا الرغبة في السير على خطى رجل "الكي جي بي" واستنساخ طريقة صعوده للسلطة.قبل توليه الوزارة كان بوتين، مثله مثل السيسي، شخصية غير معروفة، ولكن بمجرد أن وقع الاختيار عليه لرئاسة الحكومة أصبح محط أنظار الكثيرين كمخلص محتمل للبلاد من دوامة الفساد والجريمة المنظمة، وقد أضفى عليه عمله السابق في أروقة المخابرات مسحة من الغموض، التي أتاحت له أن يبدو قويا وخطيرا. وقد استثمر بوتين هذا الغموض منذ اللحظة الأولى، فرفض أن يدخل في أي مناظرة مع المنافسين له، وألح في تصريحاته على ضرورة استعادة هيبة الدولة الروسية وبأسها. السيسي أيضا بدأ كشخصية غير معروفة، ولكن حالة من التركيز الإعلامي أحاطت به، ودفعته إلى الواجهة حتى من قبل أن ينفذ انقلابه على الرئيس محمد مرسي. وقد اختار السيسي نفس خطاب التحذير من انقسام البلاد، والتأكيد على استعادة قوة الدولة في مواجهة المؤامرات الخارجية والداخلية، وبفعل نفس الخلفية المخابراتية الغامضة تم وصفه بصفات البطل الأسطوري المنذور لإخراج البلاد من أزماتها الطاحنة. (وهو ما يدفع إلى الظن أنه سيرفض أيضا الدخول في مناظرات مع أي من منافسيه المحتملين).التشابه بين الرجلين يمتد أيضاً إلى موقفهما من الجماعات الإسلامية، فمنذ حملته الانتخابية الأولى وعد بوتين بأن يتخذ إجراءات صارمة ضد الجماعات الإسلامية التي وصفها بالخطر الذي يهدد البلاد، رافضا أن يستأنف المفاوضات التي كان سلفه قد دشنها مع قادتها، وهو الموقف الذي ترجمه بالدخول في حرب فعلية ضدها في الشيشان. نفس الموقف ونفس طريقة التعامل تبناها نظيره المصري، الذي اعتبر أن جماعات الإسلام السياسي تهدد هوية الدولة، وقرر الدخول في مواجهة مفتوحة مع كافة فصائلها، من دون تفرقة بين الجماعات التي قبلت الانخراط في العملية السياسية، والجماعات التي قررت حمل السلاح في مواجهة مؤسسات الدولة.وبعد أن تسلم بوتين السلطة سارع بتقييد حرية وسائل الإعلام، وقام بجهود واسعة لتقييد حرية التعبير، كما بدأ في ملاحقة الإعلاميين الذين أظهروا معارضة لسياسته. وفي القاهرة كان ما قام به مرشح العسكر مجرد تكرار لما قام به ملهمه، وإن كان هذا قد بدأ مبكرا، أي قبل أن يتولى الرئاسة رسميا، حيث أغلق كافة القنوات الفضائية التي توقع أن تهاجم الانقلاب، وكمم أفواه الإعلام المعارض.اللافت أن كلا الرجلين اختار العمل تحت غطاء ديمقراطي ولكنه مارس تحته أشكال متنوعة من قمع الخصوم، فبوتين بعد أن فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تعامل مع المشككين في فوزه بأسلوب القبضة الحديدية، ولم يتسامح مع موجة الاحتجاجات التي عمت روسيا رافضة تولية الرئاسة للمرة الثالثة، وعندما تجمعت حشود المتظاهرين، التي قدر المراقبون عددهم بثمانين ألف متظاهر، في ميادين موسكو، قام بزج الآلاف منهم في السجون، وهذا تقريبا نفس ما فعله نظيره المصري الذي تعامل مع اعتصامات رابعة والنهضة الرافضة للانقلاب بنفس الأسلوب، وزاد عليه قيامه بتصفية المئات، كما استحدث (من خلال الحكومة المدعومة عسكريا) قوانين للتظاهر، تم على إثرها توقيف واعتقال الآلاف. ولكن رغم تعدد عناصر التشابه بين الرجلين، تظل المقارنة بينهما شكلية إلى حد كبير، فبوتين كما استهدف معارضيه قرر منذ اللحظة الأولى لتوليه السلطة التخلص من بارونات المال الذين تحكموا بالتجارة ووسائل الإعلام، وقام بحملة واسعة لاستعادة أموال الدولة المنهوبة، وكانت أشهر حملاته في هذا الصدد ضد الملياردير ميخائيل خودوكورسكي، رئيس أكبر شركات الطاقة، حيث استعاد سيطرة الدولة على المحروقات، كوسيلة لاجتثاث سلطة أصحاب النفوذ. في مصر لا يتوقع أن تحدث مثل هذه المواجهة بين مرشح الجيش وبين بارونات الاقتصاد، فالحاصل أن هؤلاء، من خلال ما يملكونه من فضائيات وأموال، قد مهدوا السبيل أمام الانقلاب، من خلال صناعة حالة مفتعلة من السخط الشعبي على أداء الرئيس المنتخب، وحالة من تضخيم قدرات مرشح الجيش، لذا لا يتوقع أن يفكر هذا في الانقلاب عليهم أو تحجيم نفوذهم على الأقل في الأمد المنظور.من ناحية ثانية فإن حملة بوتين على الحريات وفرضه سلطة الدولة بالقوة قد جعلت النخب الليبرالية — التي ناصرته على أمل أن تأخذ فرصتها بعد عقود من التهميش والقمع الشيوعي— جعلتها تنفض من حوله بعد أن اتهمته بأنه يمارس السياسة بطريقة فاشية. أما في مصر فيتوقع أن يستمر الزواج العسكري/ الليبرالي لبعض الوقت، فكلا الطرفين مازال بحاجة ماسة إلى الآخر، فالمرشح ذي الخلفية العسكرية يحتاج إلى واجهة ليبرالية؛ تزيل عنه شبهة الحكم العسكري وتدفع عنه تهمة الانقلاب. والنخبة الليبرالية تتمسك بمرشح العسكر؛ لقناعتها أن البديل في حالة تراجعه ليس حكما "مدنيا" يقبعون على قمته، ولكن عودة لخصومهم من جماعة الإخوان.من ناحية ثالثة فإنه رغم الأداء الاستبدادي لبوتين، إلا أن مؤشرات الرضا الشعبي مازالت تقف في صفه، فقد استطاع من خلال حملته على أصحاب النفوذ الطفيلي أن يحقق طفرة اقتصادية، حتى أصبحت المؤسسات التي تسيطر عليها الحكومة أكبر منتج للغاز في العالم، وأصبحت روسيا تستخدم هذا المورد لدعم نفوذها الدولي. في الحالة المصرية يمكن التشكيك في إمكانية تحقيق طفرات اقتصادية مشابهة، خاصة وأن النظام الانتقالي في الفترة الماضية كان فعليا تحت تصرف مرشح العسكر، ولكن لم يتم انتهاج أي سياسات من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي. من ناحية أخرى فإن معظم الموارد الإستراتيجية هي فعليا تحت سيطرة النظام، ومع ذلك لم تتحقق العوائد التي تبشر بنهضة اقتصادية. لم يكن التشبه بالنموذج الروسي هو أقصى طموح المصريين، الذين كانوا يرنون إلى حكم مدني وحاكم منتخب، ولكن الأخبار السيئة أن حتى هذا التشبه لن يكون واردا في ظل اختلاف السياق والمعطيات المذكورة أعلاه، فرجل موسكو القوى استطاع إرغام خصومه قبل مؤيديه على الاعتراف له بالحنكة السياسية والاقتصادية، الأمر الذي قد لا يتوفر بالنسبة للمرشح المصري السائر على دربه.