23 سبتمبر 2025

تسجيل

الثورة السورية المجيدة.. بين اللسان والسنان

02 أبريل 2012

لماذا تكاثرت الأصوات السورية وغير السورية في العالم تنادي بضرورة تسليح الشعب ليدافع عن نفسه، والجيش الحر ليحمي المتظاهرين السلميين حقا في وجه عصابة عديمة الرحمة وحشية المنشأ تحارب الله والإسلام المتحرك وتهين المقدسات وتدمر المساجد وتسجن وتجرح وتقتل وتسحل وتمثل بل تقتل الجرحى والأطباء وتعتدي على الشيوخ والنساء وتهجر الناس دون أي رادع من دين أو ضمير أو أي قيمة إنسانية ودون أن تجد في وجهها رادعاً مكافئاً يوقفها عند حدها بالقوة فإنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وإذ تستمر دوامة الموت بحصاد الأرواح بالمئات في الشام المباركة يوميا دون توقف، وإذ يصل الجميع إلى قناعة أن هذه العصابة المجرمة لا يمكن بحال أن تأخذ إجازة تتوقف فيها عن أي إبادة سواء كانت الثورة سلمية أم مسلحة، فالمهم المعوّل عليه عندها هو ما نعقوا به وكتبوه. إما الأسد وإما نحرق البلد والأسد إلى الأبد! وكما يقولون في المثل الشامي: "عديم ووقع في سلة التين" حيث لم يسبق لهؤلاء تبوؤ أي منصب رئاسي في سورية على مدار التاريخ ونجحت خطتهم الماكرة في الوصول بالقوة إلى سدة الحكم فكيف يتركونها لا الأب ولا الابن وريثه ولا العائلة التي أفادت المليارات ومازالت وهي تمارس السلطة، ثم أعانت وعملت على تثبيت المحور الإيراني وذراعه حزب الله في المنطقة وطمأنت إسرائيل بوجه لا يدع مجالا للريب أنهما حارستان بعضهما بعضا، فأنى لهذه العصابة أن يتنحى رئيسها وزمرته لتعود سورية إلى حريتها وكرامتها وتاريخها؟ زد إلى ذلك حلفاء المصالح كروسيا خصوصا والصين ومن لف لفهما عموما وهنا بات السوريون رغم كل عصف ذهني يعيشون في حيرة وتردد وهم يخوضون غمار ثورتهم المجيدة، لقد استفحل القتل بدم بارد وتحت التعذيب في السجون ولم يعد في طاقتهم أن يحتملوا ذلك رغم استمرارهم في الثورة سلميا دون أي عنف، والعصابة وشبيحتها يتسلون باصطيادهم كالعصافير، ويقول بعضهم ليثبتهم على الكفاح اللاعنفي إن أكثر من 24 دولة تم تحريرها بالنضال السلمي اللاعنيف حديثاً منذ عام 1980 مثل ألمانيا الشرقية وسلوفينيا وليتوانيا وبوليفيا والفلبين ومدغشقر ومالي وزائير وكوريا الجنوبية وبولندا والأرجنتين والبرازيل و... بالتحدي السياسي لا العسكري المسلح، وأن ذلك قد جرى دون عواقب وخيمة وغيَّر موازين القوى، وهو أيضا استمرار لظاهرة قديمة بالمقاومة اللاعنيفة التي ترجع إلى عام 494 قبل الميلاد عندما حجب العامة التعاون عن أسيادهم النبلاء الرومان، واستخدمت الشعوب هذا الحراك في أزمنة مختلفة في آسيا وإفريقيا والأمريكتين وآسيا الاسترالية وجزر المحيط الهادئ وأوروبا فإن الحملات يومها نجحت رغم تعقيدات المقاومة اللاعنيفة ولكنها أسلم وأحكم وأقل خسائر ومعاناة لدى الشعب الثائر، ويزيد بعض آخر: إن الله حضنا على السلم في مقارعة الأعداء وأمرنا بالدخول فيه وامتدح الموقف الذي حرس أرواح المؤمنين فقال تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال...)، "الأحزاب: 25"، وزادوا في أدلتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصى بأن يصبر المظلوم وإن قتل وأن يكون في آخر الزمان عبدالله المقتول ولا يكون القاتل ويستأنسون بموقف عثمان بن عفان رضي الله عنه ورضّاه بأن يقتل دون أن يقبل بدفاع المدافعين عنه.. إلى آخر ما فيه جعبة من يسوق ذلك حفاظاً على توفير القدر الأكبر من الأرواح والممتلكات.. ونقول: إن الكثرة الكاثرة من السوريين بعمومهم وخصوصهم ربما كانوا يقبلون الثورة باللسان لو كانت العصابات الأسدية ومن يقف معها يملكون ولو أدنى بقية من إنسانية وشفقة وخلق ومبدأ، وأدنى مستوى من العدل والإخاء والوطنية الحقيقية أما وقد اعتبر هؤلاء أن سورية ملك لهم وأن الناس جميعا ما هم إلا عبيد يقادون بالحديد والنار و"البصطار" والعصا وقمع الدين والحرمات بأبشع الفظائع والفجائع، وأن الضرورة تقدر بقدرها وهي تبيح كل محظورة فإن من حقهم أن يسيروا على الأدلة الأقوى التي عرفت وجاهتها في الشرع والقانون الإنساني والإسلامي أن الدفاع عن النفس والعرض والمال وضروريات الإنسان شيء طبيعي لا غبار عليه بل هو واجب الأداء والتعاطي ردا للظلم وإزهاقاً للباطل وإعلاء للحق وهو المبدأ العام على الدوام في شرع الإسلام (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)، "الحج: 39-40"، (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، "البقرة: 194"، وهكذا فإن قانون التدافع في الحياة يقر أنه لابد من استخدام القوة بقدر الاستطاعة للردع والدفع، وهو ما فسره الشاعر أبو القاسم الشابي: لا عقل إلا أن تصادمت القوى وتعادل الإرهاب بالإرهاب وهنا نجد الفرق شاسعاً بين عدة وعتاد طغاة السلطة وبين ما في حوزة الشعب والجيش الحر من امكانات متواضعة جدا لفعل شيء من الدفاع عن الوطن والمواطنين العزل، وإذ نعود بشريط الذكرى إلى أول بداية الانتفاضة وتصريح بشار الأسد بأنه إذا تفاقم الحراك والثورة ضده فإنه سينجز ما أنجزه أبوه في حماة عام 1982 أي من مذابح حصدت أكثر من 50 ألف مواطن فضلا عن تهديم ثلثي المدينة فإننا لا ننسى أيضا أن التاريخ يذكرنا أن تشرشل بريطانيا التي كانت لا تغيب عنها الشمس لما أخذ هتلر يدكها بالمدفعية والدبابات ويسرع تشرشل في الاتصال بروزفلت رئيس أمريكا حينها ليمده بالسلاح النوعي الكافي لمواجهة ألمانيا وهو يتردد ويتردد إلى أن أكد عليه بقوله: أعطنا الأدوات ننجز المهمة، فكان ذلك أخيرا وهزم هتلر وانتصر تشرشل وبريطانيا ولذا فالمسيحيون هؤلاء يعرفون ذلك تماما وأن المسيح عليه السلام الذي بشر بالسلام وقال: (طوبى لصانعيه لأنهم أبناء الله يدعون) كما في انجيل متى الإصحاح الخامس هو نفسه الذي دعا إلى الحرب على كل من يمنع الجماهير حريتها وأمنها ولذلك فإنه عرف أن ثمة نفوسا لا تهنأ بالسلام بل تعيش على الظلم والعدوان، فأعلن حربا لا هوادة فيها عليهم حين قال: (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض ما جئت لألقي سلاما بل سيفا وجئت لألقي نارا ومن كان له كيس فليأخذه ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا) كما في إنجيل متى 10/34 ولوقا 13/49 وكذلك 22/36 على ما نقله الدكتور مصطفى السباعي في كتابه نظام السلم والحرب في الإسلام ص 11-12. ولذلك فإننا ضد توجه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي هرعت في مؤتمر منتدى أمريكا والخليج في الرياض لتقنع السعوديين بالحل السلمي وعدم استخدام السلاح وهي نفسها قبل أشهر قد نصحت الذين يحملون أي سلاح من الثوار ألا يسلموه إلى السلطة عندما وعدت بما سمي وقتها العفو العام. إن الموقف الأمريكي المتراجع إرضاء لإسرائيل التي هي حليفة سورية حقا.. ودعك من الشعارات هو موقف متخاذل ويصب في النهاية في مصلحة النظام وليس الشعب ويعطيه فرصا أكبر حتى لخطة عنان غير المحددة ليتفاقم القتل أكثر وأكبر، ولذا فالشعب السوري مضطر إلى الخيار المسلح فالحلول الدبلوماسية قد فشلت ولا منطقة عازلة ولا حظر جوي ولذا فهنيئاً له الثورة بهتاف: عش عزيزاً أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود وبجهاد مستبصر غير فوضوي، إذ لابد من الضبط والربط كيلا يعود بالخطر. [email protected]