18 سبتمبر 2025

تسجيل

المسألة الكردية في تركيا بين أربيل وديار بكر

02 أبريل 2011

اعتبرت زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان "تاريخية" نظرا لأنها الأولى لرئيس حكومة تركي إلى هذه المنطقة والمدينة. ولم يكن أردوغان بعيدا عن الصواب عندما قال إن الزيارة مهمة جدا لكنها لم تتقرر بسهولة. ذلك أن النظرة التقليدية لأنقرة تجاه الوضع في شمال العراق كانت تحكمه مقولة إن دولة كردية مستقلة هناك تشكل خطرا على الأمن القومي التركي. ولم "تهضم" أنقرة الصيغة الفيدرالية التي انتهى إليها العراق وهي كانت صارعت طويلا قبل الغزو الأمريكي للعراق من أجل ألا تدخل الصيغة الفيدرالية في اتفاق قوى المعارضة العراقية حينها. فشلت تركيا في تحقيق أهدافها وكسب الأكراد معركة الفيدرالية والهوية وكانت لهم دولتهم المستقلة إلى حد كبير حيث باتوا يسيطرون على الشمال العراقي بالكامل باستثناء كركوك ويشاركون أيضاً في القرار السياسي والاقتصادي في الحكومة المركزية في بغداد. اعترف أردوغان لاحقا أنه كان من الخطأ عدم مشاركة تركيا في الحرب على صدام حسين وأنه كان يجب أن تكون تركيا لاعبا على الأرض وليس في مقاعد المتفرجين. ومع أن في هذا الندم خطأ إذ أن تركيا بعدم مشاركتها في الحرب كسبت العرب ولم تتحول إلى شريك في الاحتلال،غير أن سياسات تركيا لاحقا كانت تسعى إلى استدراك بقائها خارج المعادلة من خلال التقرب من الأمريكيين والسماح لهم باستخدام الأراضي التركية في خريف 2003 لضرورات لوجستية. غير أن الأهم بالنسبة لتركيا كان تحقيق "مشروعها" إن جاز التعبير بأن تكون دولة مؤثرة في المنطقة عبر القيام بأدوار وسيطة بين الفرقاء المتصارعين على أكثر من جبهة داخل العراق وفي المنطقة ومن خلال زيادة حضورها الاقتصادي. ويشاء قدر تركيا أن تكون حدودها الجغرافية مع العراق هي الحدود مع الفيدرالية الكردية. وأي تقارب تركي مع العراق"العربي" كان يتطلب تجاوز العراق "الكردي" ليس بمعنى تجاهله بل المرور به وبالتالي التعاون معه. إن الحضور التركي في العراق هو صلة الوصل بدول الخليج ويجعل "التمدد" التركي يصل إلى "المياه الدافئة" العربية بنفطها وغازها ويعبّد الطريق أمام التواصل البري في دول مجلس التعاون الخليجي. لذا كان لابد لحكومة أردوغان من فتح صفحة جديدة مع إقليم كردستان العراق وانتهاج إستراتيجية جديدة تقوم على الاعتراف بالواقع الكردي ومن هذا الباب كانت الزيارة التاريخية لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى أربيل نفسها قبل سنة ونصف السنة واعتبرت اعترافا ضمنيا بالكيان الكردي هناك رغم أن داود أوغلو شبه كردستان العراق بولاية تكساس الأمريكية قائلا إن زيارة تكساس من قبل أي مسؤول أجنبي لا تعني الاعتراف بها كدولة مستقلة داخل الولايات المتحدة الأمريكية(!).ومع الفارق في الواقع القانوني والتاريخي في العلاقة بين كردستان العراق وبغداد من جهة وبين تكساس وواشنطن من جهة أخرى فإن الوزير التركي لم يكن بحاجة إلى كثير "تخريج" للتغيير الذي طرأ على طريقة تعاطي تركيا مع أكراد شمال العراق إلى حد زيارة رئيس حكومة تركيا إلى أربيل والتقاء "رئيسهم" مسعود البرزاني. تدخل تركيا شمال العراق وهي التي تستثمر فيه وتتبادل معه التجارة أكثر بكثير من العراق الآخر. وإذا كان لتركيا أن تعمل وفق قاعدة "المصالح الوطنية" الذهبية التي أعلنها أردوغان بنفسه والتي كان أبرز عناوينها الموقف التركي المهادن من نظام معمر القذافي،فإن السؤال ينقلب تلقائيا إلى ازدواجية المعايير التركية من المسألة الكردية نفسها بين أربيل في العراق وديار بكر في تركيا نفسها حيث بدأ أكراد تركيا عصيانهم المدني المتنقل. اعترفت تركيا بـ "أكراد الخارج" وبهويتهم وبدويلتهم وكيانهم السياسي وبعاصمتهم ورئيسهم فيما لا يزال الموقف الأيديولوجي لحكومة حزب العدالة والتنمية من "أكراد الداخل" نسخة مزركشة عن مواقف النظام الكمالي المنكِرة للهوية الكردية. إن ما يثير العجب أن تركيا الساعية إلى أدوار إقليمية ودولية، لا تزال عاجزة أو غير راغبة في تلبية أحد أهم شروط الاستقرار الداخلي. ومن يرد استقرارا في المنطقة ويدافع عن الظلم في فلسطين ويعترف بالكيان الكردي في شمال العراق لا يمكن أن يفعل العكس تجاه العناوين نفسها في الداخل وفي طليعتها.