25 نوفمبر 2025
تسجيلأحياناً نبغض بعضنا بسبب النجاح الذي يتميز به الطرف الآخر، أو الثراء الذي يميزه عن الآخرين، فلا نطيقه بغضاً، وقد يكون أحدنا ناجحاً في حياته التعليمية والاجتماعية، أو غيرها، وقد تكون غيرة بين النساء، حين تكون واحدة منهن أجمل من الأخرى، أو أحسن منها في الوظيفة، فيتولد عن ذلك عدم الارتياح لها، وقد يتحول التنافس إلى حسدٍ وهنا تكون المصيبة أكبر.وعلى صعيد المجتمع المدني نلاحظ أن بعضهنَ يفضلنَ التعامل مع الرجال أكثر من النساء ما دامت المرأة لا تؤمن بالأخرى، وقد لا نعلم سر السعادة في ذلك، فالتميز له عنوان، وقد تعرف الأنثى وحدها فك الشفرة، والأجمل من ذلك كله، أن نحب من يكرهنا ونتقرب منه إن استطعنا، ذلك هو النجاح في الحياة، وتحضرني أيضاً عبارة: (أنت من تكرهني وتبغضني، وبعد كل هذا صار لزاماً عليَ أن أحبك)، فرحم الله الحكيم حين قال: (تعلمتُ الحكمةَ من الجُهلاء)، وهناك العداوة والصداقة، حيث تحضرني فيها عبارة، لا أدرِي إن كان القارئ الكريم يتفق معي فيها أم لا، وهي: (اللهم اكفني شر أصدقائي أما أعدائي فإني كفيلٌ بهم)، كما تحضرني عبارة للإمام علي رضي الله عنه عندما قال: (إني خاطبتُ الجاهل فغلبني عدوي)، فإن كان قلب المرء مع الشر كان كنزه مليئا بالفساد والكراهية والحقد، وإن كان مع الخير فإن كنزه يفيض محبةً وتسامحاً، فحيثما يكون القلب تكون النتيجة، ولطالما الانطباع الأول هو الانطباع الأخير لدى الكثيرين، ولأنَنا قد نكره أحداً بدون ذنب، تحضرني قصة من التراث الأموي وهي قصة لكلثوم بن الأغر والحجاج، حيث يُحكى أنَ كلثوم بن الأغر المعروف بدهائه وذكائه، كان قائداً في جيش عبدالملك بن مروان، وكان الحجاج بن يوسف يبغض كلثوم، فدبر له مكيدةً جعلت عبدالملك بن مروان يحكم على كلثوم بن الأغر بالإعدام بالسيف، فذهبت أم كلثوم إلى عبدالملك بن مروان تترجاه وتلتمس عفوه، فاستحى منها لأنها كانت كبيرة في السن، فقال لها: سأجعل الحجاج يكتب في ورقتين، الأولى (يُعدم) وفي الورقة الثانية كلمة (لا يُعدم)، ونجعل ابنك يختار ورقة قبل تنفيذ الحكم، فإن كان مظلوماً نجاه الله، فخرجت السيدة العجوز والحزن يعتريها، فهي تعلم أن الحجاج يكره ابنها، والأرجح أنه سيكتب في الورقتين كلمة (يُعدم) وهنا ستكون المصيبة، فقال لها ابنها: لا تقلقي يا أُماه ودعي الأمر لي، وفعلاً قام الحجاج بكتابة يُعدم في الورقتين، وتجمع الملأ في اليوم الموعود، ليروا ماذا سيفعل كلثوم، ولما جاء كلثوم في ساعة القصاص، قال له الحجاج وهو يبتسم بخبث: (اختر واحدة)، فابتسم كلثوم واختار ورقة، وقال اخترتُ هذه، ثم قام ببلعها دون أن يقرأها، فاندهش الوالي وقال: ما صنعت يا كلثوم، لقد أكلت الورقة دون أن نعلم ما بها، فقال كلثوم: يا مولاي اخترتُ ورقة وأكلتُها دون أن أعلم ما بها، ولكي نعلم ما بها، انظر للورقة الأخرى فهي عكسها، فنظر الملك للورقة الباقية فكانت (يُعدم)، فقالوا: لقد اختار كلثوم كلمة لا يُعدم فنجا، والعبرة هنا أنه بقليل من التفكير نستطيع صنع أشياء عظيمة، فإذا أردتَ صُنع الأشياء العظيمة، فعليك بالتفكير، عموماً نحن من يحتاج إلى التغيير بدهائنا وذكائنا، وليس مهماً أننا تعلمنا فقط في هذه الحياة، ولكن الأهم ماذا أضفنا لأنفسنا من هذه الحياة.