17 سبتمبر 2025
تسجيلقبل عام بالضبط وفي آخر حوار تلفزيوني للرئيس السوداني عمر البشير فاجأ الجميع وهو على الهواء مباشرة وهو يتحدث عن ممتلكاته؛ منها شقة في مجمع النصر السكني بالعاصمة الخرطوم.. الاعتراف أو إبراء الذمة الذي حمله الأثير جاء على خلفية الجدل المتصاعد الذي يدور في السودان منذ أكثر من عام حول ارتفاع نسبة الفساد في الدولة واتهامات طالة كبار المسؤولين والتنفيذيين في الجهاز الحكومي.. آخر تقرير للمراجع العام وهو الشخص المسؤول عن مراجعة حسابات الدولة، أشار إلى أن نسبة الفساد في دواوين الدولة ارتفعت إلى (300%).. آخر زوابع الفساد ضربت وزارة العمل، حيث كشفت إشراقة سيد محمود وزيرة العمل، عن إحالة ملفات خاصة بالوزارة رفضت الإفصاح عنها إلى المراجع العام ووزارة العدل، وقالت إنها ملفات غير قابلة للتحدث عنها. التعاطي الرسمي مع اتهامات الفساد شابه الاضطراب الشديد؛ فمع وجود القوانين والتشريعات الرادعة وآليات تطبيقها، قام الرئيس البشير بتشكيل ما عُرف بآلية مكافحة الفساد وعين وزير دولة سابق بوزارة المالية على رأس تلك الآلية، لكن بعد عام وفي خطوة مفاجئة أُعفي الرجل من منصبه دون الإشارة إلى الأسباب وما إذا كان الإعفاء متعلقا بالآلية كذلك أم مقتصرا على رئيسها فقط.. في ظل وجود آلية مكافحة الفساد نفسها شُكّلت لجنة خبراء ومختصين عقدت (20) اجتماعاً، ثم أوصت بتكوين مفوضية لمناهضة الفساد وبعد الاستماع إلى العديد من المعنيين من شخصيات عامة وعدد من مسؤولي المصالح والأمن الاقتصادي والمباحث الجنائية ومسجل الشركات، ويعتبر ذلك تأكيدا على مدى الاضطراب الذي يشوب تعاطي الحكومة مع وباء الفساد.. قبل إعفائه، كشف رئيس آلية مكافحة عن (5) ملفات لقضايا فساد وضعت أمام الرئيس البشير لكنه لم يكشف تفاصيل حول الجهات المتورطة فيها وشدد على عدم وجود خط أحمر يمنع محاسبة المفسدين، ورفض الاتهام الموجّه للآلية بأنها مجرد مناورة حكومية مشدداً على جدية الدولة السودانية في أعلى مستوياتها تجاه مكافحة الفساد.. لعل أخطر ما أدلى به رئيس الآلية بأن البعض تعدى على أصول الدولة وتحويلها بأسمائهم.. إن الحديث عن الفساد لم يكن حديثاً جزافاً بل يعلنه كثير من الأحيان المسؤولون السودانيون فضلا عن المراجع العام.. في مايو الماضي كشف وزير الإرشاد والأوقاف الدينية السابق عن قصور وفساد إداري ومالي بقطاع الأوقاف خلال العام المنصرم. وقال إن تقاطعات إدارية أسهمت في ظهور تلك الإخفاقات وشملت أوقاف الداخل والخارج، خاصة بالمملكة العربية السعودية.. وأشار الوزير في بيان له قدمه للبرلمان إلى وجود عقود تقاضى بموجبها الأمين العام السابق لهيئة الأوقاف أكثر من ستمائة ألف ريال سعودي في الشهر.. كذلك ثار حديث عن جهات حكومية أهملت في استرداد مبالغ مالية تخص الدولة (شيكات مرتدة).. وبلغ إجمالي قيمة الشيكات المرتدة والمتأخرات طرف الجمارك والضرائب (44) مليون دولار.. في الوقت نفسه كشفت نيابة مخالفات الجهاز المصرفي عن وصول بلاغات الشيكات المرتدة إلى (2847) بلاغاً وبلغ إجمالي المبالغ المعتدى عليها أكثر من (348) مليون جنيه سوداني (حوالي 55 مليون دولار). لقد أصبح الفساد أكبر التحديات التي تواجه حكومة الرئيس البشير بيد أنه حتى اليوم لم تُبد الدولة الجديّة المطلوبة لمكافحته الأمر الذي يشكك في صدقية الدولة مما يهُزّ الثقة فيها، سواء من جانب المواطنين أو كان ذلك من جانب الخارج، حيث تسعى الدولة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال في محاولة لتعويض فقدان خزينة الدولة أكثر من (70%) عائدات النفط بعد انفصال الجنوب في يوليو من العام 2011.. أما أن يكون الرئيس البشير نزيها في شخصه فإن ذلك لا يعفيه مطلقاً من المسؤولية تجاه مكافحة سرطان الفساد المستشري في مفاصل الدولة.