18 سبتمبر 2025

تسجيل

أشهر حاسمة أمام تركيا

02 مارس 2013

تذكّر المفاوضات الجارية الآن بين الدولة التركية وعبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في جزيرة ايمرالي التركية والتي يطلق عليها اصطلاحا "عملية ايمرالي" بتلك التي جرت قبل عشرين عاما بالضبط بين أوجلان نفسه وكان لا يزال مقيما مع مقاتليه في لبنان وبين الرئيس التركي الراحل طورغوت أوزال. حينها أعلن أوجلان من طرف واحد في مارس من العام 1993 وقف إطلاق النار لمدة شهر ما لبث أن أعلن تمديده شهرا آخر قبل أن توافي المنية المفاجئة أوزال الذي يعتقد أنه مات مسموما. واعتبرت تلك المفاوضات والإجراءات بداية مرحلة جديدة لحل المسألة الكردية خصوصا أن أوزال كان منفتحا على حل المسألة الكردية واتخذ بعض الإجراءات النفسية مثل السماح ببث وبيع أغان باللغة الكردية خصوصا أن والدة أوزال كانت كردية بما يعني أن دما كرديا كان يجري في عروقه. لكن "الدولة العميقة" كانت أكبر من أوزال الذي كان حزبه خسر السيطرة في البرلمان والحكومة ولم يتبق له سوى رئاسة الجمهورية المحدودة الصلاحيات. انهار وقف النار وعاد الصراع المسلح في التسعينيات التي شهدت أسوأ مراحل تركيا الدموية. اليوم مع "عملية ايمرالي" تختلف الظروف من دون أن تختفي التساؤلات والحذر. رجب طيب أردوغان اليوم ملك تركيا بدون منازع. يسيطر حزبه على كل الدولة: البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية ويهيمن على كامل المؤسسات القضائية والتعليمية والاقتصادية. والأهم أنه لا توجد "دولة عميقة" بعدما فكك أردوغان غالبية عناصرها وأهمها تفريغ الجيش من صقوره وتعيين قيادة طائعة. أي أن الكرة اليوم من الجانب التركي في ملعب أردوغان وبناء لإشارته تتقدم الأمور أو تتراجع. والنقطة المهمة الثانية أن العرض الذي يقدمه أردوغان لحزب العمال الكردستاني يختلف جذريا عن عرض أوزال الذي كان مجرد أفكار غائمة. اليوم يعد أردوغان الأكراد بأنه سيعطيهم حق التعلم باللغة الأم في مناطقهم وصلاحيات إدارة محلية واسعة وضمانات في الدستور للاعتراف بالهوية الكردية. وتلبي هذه الوعود جانبا لا بأس به من المطالب الكردية مع تنازلات في عدد من النقاط أولها أن الأكراد لم يعودوا يطالبون بالفيدرالية ولا بالحكم الذاتي التقليدي وهو ما ورد في الرسالة التي بعث بها أوجلان من سجنه قبل يومين إلى قيادة الحزب في جبال قنديل في شمال العراق. ويكتفي الأكراد بما تنص عليه الاتفاقية الأوروبية للإدارة المحلية حيث لا هوية أو كيانية سياسية من علم وحكومة وبرلمان وما شابه. وهو لا شك تنازل كبير من جانب الأكراد. كذلك فإن الأكراد وافقوا على أن ينسحب مقاتلوهم من الداخل التركي إلى شمال العراق وهذا يعني أنهم لن يبقوا في بلادهم وهذه ثغرة كبيرة في السيناريو المحتمل. وفي المقابل فإن الأكراد تعهدوا بوقف إطلاق النار وسحب المقاتلين إلى جبال قنديل ومن ثم التخلي عن السلاح. وكل ذلك في انتظار التطبيق العملي لما اتفق عليه وفقا لمنهج"خطوة من هنا وأخرى من هناك" إلى أن تكتمل عمليات التنفيذ المتبادل المتوقع أن تنتهي قبل نهاية الصيف المقبل بعد أن تكون بدأت في 12 مارس الجاري بنداء لأوجلان لتجميد العمليات العسكرية. أما مكاسب الدولة التركية فلا شك ستكون ثمينة جدا إذا ما نجحت العملية برمتها وأولها أن تركيا ستنتهي من أعقد مشكلة واجهتها منذ تأسيس الجمهورية في العام 1923 حتى الآن والتي قابلت القضية الكردية بنزعة عنصرية. وهو ما سيجلب لتركيا استقرارا داخليا يدفع بخطط التنمية خطوات إلى الأمام. ويفتح أمام إقامة علاقات طبيعية لتركيا مع أكراد المنطقة الآخرين في العراق وسوريا باعتبار أن تركيا حلت مشكلة أكرادها ولم يعد عندها خوف مما يجري في محيطها الإقليمي ما دامت قد حصّنت بيتها الداخلي. وأن انفتاح أردوغان على حل المشكلة الكردية وبموازاة تنازلات كردية بدافع رغبة أوجلان في رؤية السلام قبل أن يموت لأنه، على حد قوله، بدأ يشيخ، سيحقق له(لأردوغان) مطلبا أساسيا يرنو إليه وهو موافقة الأكراد في البرلمان على الدستور الجديد الذي سيتضمن انتقال تركيا من نظام برلماني هو القائم حاليا إلى نظام رئاسي تنحصر فيه كل السلطات بيد رئيس الجمهورية وهو ما سيتيح لأردوغان الذي سيترشح لرئاسة الجمهورية في العام المقبل ليكون ملكا بكامل الصلاحيات لعشر سنوات(خمس سنوات قابلة للتجديد). وهكذا تكون تركيا أمام معادلة: الهوية الكردية مقابل النظام الرئاسي.أولوية الأكراد تعزيز الشعور بهويتهم فيما أولوية أردوغان ترسيخ سلطته أطول مدة ممكنة. كل المؤشرات تشير بأن هذا التواطؤ قد ينجح ولكن السؤال هو: أليس من احتمالات بتكرار سيناريو أوزال-أوجلان في التسعينيات وانهيار العملية الحالية لسبب أو لآخر خصوصا أن للورقة الكردية أبعادا إقليمية ودولية؟