10 سبتمبر 2025
تسجيلجاءت إقامة المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) لمعرض "اليمن عشق يأسرك" للمبدعة موضي حمد الهاجري، تأكيداً على كونها نموذجا لابنة هذا الوطن، حيث حلقت بنا إلى بلاد اليمن السعيد. عبر هذا المعرض ، ما جعله الاختيار الأمثل لسفر إبداعي عبر عين قطرية لاقطة . منذ الصفحات الأولى تسلم القيادة لها .. ومنذ الصفحات الأولى وهذه المبدعة تضعك وسط الحدث الأبرز عبر فكر إنساني. تقف مشدوهاً أمامها . تقلب في الصفحات .. ومع أنها قد تركت لك الخيار فهي تقدم لك البراءة عبر معاناة جيل .. جيل ما زال يملك براءة الكون وكيف تعرض ويتعرض لكل أنواع الغبن دون جرم أو ذنب، الأمر الذي يجعل المعرض رحلة عبر الزمن . فالتاريخ والجغرافيا متلازمان هنا . بين الجبال والسهول .. بين القرى والمدن .. بين الأكواخ والبيوت التي تحتل قمم الجبال. بين الشواطئ في أبين والصحراء وتلك الأشجار الباسقة في سوقطرة . كل هذا عبر رؤية المبدعة موضي الهاجري التي استطاعت أن تأخذنا إلى عوالم متعددة . سمعنا ببعضها وقدمت هي لنا بطاقة التعارف لمدن وقرى لم نعرفها . نعم اليمن بتاريخه وحضارته وفنونه جزء من ذاكرتنا . ولكنها قدمت لنا يمناً آخر . لم نتعرف عليه بعد . سوى عبر عين لاقطة عشقت أرض بلقيس وأروى .. وحضارات حمير وتاريخ سبأ وحكايات الحكمة من قبل المرأة العربية . في هذا المعرض، تم استحضار جهد خارق ما بقي في ذاكرتنا من اليمن، حيث قدمت المبدعة موضي الهاجري دليلاً آخر على قدرة الفتاة المواطنة على تحدي الصعاب ومواجهة الأخطار واجتياز كل الصعوبات، فهى تملك القدرة على التحدي، سلاحها الكاميرا والسؤال الذي احتل جزءاً من ذاكرة المتلقي لماذا وقعت في حب اليمن ؟ وكيف وقعت في حب اليمن . وكيف استطاعت أن تخرج كل هذا الجمال عبر العدسة من مشاهد تبعث الحزن والأسى في النفس !! تعددت رحلاتها إلى بلاد اليمن السعيد بدءاً بعام 2007 وأنهت جملة هذه الرحلات في عام 2013 وكانت مجمل الرحلات (9) جولات . مما لا شك فيه أن هذه المبدعة قد جابت حاضرة العالم . ولكنها وقعت في أسر بلاد بلقيس . ولا أعتقد أن هناك مدينة توازي جمال المدن اليمنية من ناحية المعمار . جمال الطبيعة وبناء معماري خاص .. بين قدرة الخالق وجبروت الانسان على التحدي . وهذا ما تجسد في المعرض بين كل لوحة وأخرى سحر خاص . بين الشاطئ الرملي وناطحات السحاب أميال عدة وبين صغار يمارسون براءتهم ويداعبون رمال السيف وراعية تعتمر القبعة ترعى أغنامها . تذكرت اغنية الثلاثي الكوكباني "يا راعيات الغنم فوق الجبال" كان أخي الفنان سلطان الخطيب . يقف متأملاً لفترة قد تطول . هنا تأملته وطرحت عليه اسئلتي ما الذي شدّ انتباهك .. لم يرد عليّ . كان مندمجاً وهو يتأمل تلك البيوت التي تعانق السحاب .. ثم التفت إليّ قائلاً : هل تعلم كيفية الوصول إلى تلك البيوت وهي تحتل قمة الجبال؟ .. وكيفية الحياة؟ .. دعنا من كل هذا كيف يعتاش اليمني مع ضرورات الحياة .. كيف يتم جلب الماء مثلاً؟.. صمت .وكان صمتي دليلاً على جهلي .. اردف قائلاً : هل زرت اليمن ؟ عندها فتحت خزائن اليمن . قلت اكثر من مرة . ذات مرة قبل اربعة عقود من عمر الزمن اليمن الجنوبي واليمن الشمالي برفقة صديق العمر غازي حسين لدعوة عدد من ابرز الفنانين لاحياء حفلات غنائية في قطر . وتمت دعوة رموز الغناء هناك "محمد مرشد ناجي ، احمد قاسم ، محمد سعد عبدالله ، احمد فتحي ، علي الاسدي ، محمد الحارثي .. وشاركوا بحفلات الدوحة والخور لم يتوقف أسئلة أخي سلطان الخطيب .. قال : وهل شاهدت كل هذا الجمال .. كان الرد .. يا أخي كنا نمرّ على بعض المواقع مرور الكرام . ان عين المبدعة تختلف شكلا ومضموناً عن عين الانسان العادي . ما يرونه لا نراه .. كان فان جوخ يرى في زهرة عباد الشمس ما لا يراه الآخرون !! المبدعة هنا تقدم للعين اكتشافاً آخر وعمقاً آخر عبر كل لقطة .. هنا الابداع المعبر عن فكر وموهبة ورؤية .. كل هذا يمتزج ويمزج بين ثقافة اللقطة والفن في اختيار اللحظة الزمنية .. وهذا ما نطلق عليه الابداع .. لم يقتصر الأمر على مكان واحد .. مثل صنعاء أو عدن.. بل قطعت كل المحافظات .. بين شبوه ، حضرموت ، سيئون ، المكلا ، تعز ، اب ، عمران ، الحديدة ، حجه ، البيضاء ، انها قطعت كل ملك بلقيس ووقفت تتأمل كل حضارات سبأ وحمير .. استمعت إلى شدو العشاق وتراتيم القومندان . المبدعة موضي الهاجري .. ترتمي في حب اليمن .. بلاد بلقيس ولماذا الاستغراب !! منذ سنوات شمر الصديق سالم الجحوشي عن ساعد الجد . وعبر نشاط شبابي في اطار المسرح طرح سيرة "رامبو" الشاعر الفرنسي الذي احدث نقلة نوعية في الشعر الفرنسي ولقب بعدة القاب منها "الصوفي المتوحش" كان ما يهم المخرج اليماني ان يستحضر سيرة "رامبو" الذي لم يكمل العقد الرابع من عمره القصير هذا الشاعر مع كل مواقفه في الحياة ارتمى في حب اليمن ؟ لماذا ؟ هناك مبررات عدة ليس المجال هنا مجال طرحها . كما اننا لا يمكن ان نعرف لماذا هذه الفتاة المواطنة ارتبطت بوشائج مع مدن موغلة في القدم . تجوب المدن والقرى . الجواب قد يكون .. ان العلاقة بين دول الخليج واليمن علاقة ممتدة في عمر الزمن .. اليمن .. تشكل الجذور .. ومن ثم حضارات غيرت ذات يوم من صورة العالم . الآن .. ونحن نقلب في سفر هذه الرحلات نتذكر "القومندان ، يحيى عمر ، وعشرات الشعراء" ونتذكر كيف زرع "عبدالرحيم" بذرة فن الصوت في ذاكرة عبداللطيف الذي غرسه في ذاكرة محمد .. والذي بدوره احتل حتى الآن مكان الصدارة في فن الصوت . اليمن ارتبط ذات يوم بذاكرتنا ونحن اطفال عبر صرخات "محمد عروق وأحمد سعيد" ونداء صوت العرب "أخي في اليمن .. أخي في الجنوب" وارتبطت في ذاكرة جيل الماضي عبر صوت اسكندر ثابت ومحمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله .. وترنيمة المبدعين عبر الاهازيج "حلفت بالله" والايمان والخنجر .. أيا شعب الجنوب النصر - واغاني .. طير من وادي تبن .. واغاني من العدين يا الله .. يا الله بريح جنة .. ورائعة محمد مرشد ناجي "نشوان!!" وترنيمة "انا فدي صنعاء فدي بلادي .. فدي حقول البن في كل وادي" لا شك ان "موضي " قد ورثت من والدها الشاعر "بوسطوه" ارث اللغة .. والابداع .. ولا غرابة ان تعشق الحضارة والتاريخ ويكون سندها "بعلها" ذلك ان وراء كل فتاة ناجحة .. أيضاً رجل يمنح الانثى مكانتها في الحياة .. وموضي الهاجري فتحت صفحات التاريخ ورافقت بلقيس واروى .. وفي رحلاتها مع فلذات اكبادها تلحفت بالسماء .. وانطلقت مع تراتيم الانسي ، والمحضار ومحمد جمعة خان ، وابراهيم الماس ، وابوبكر سالم والعطاس وفيصل علوي . قلبت في سيرة وضاح اليمن ودواوين عبده غانم . وعبر موجات اذاعة عدن .. اصغت الى ايوب طارش وكرامة مرسال وعبدالرب ادريس واحمد يوسف الزبيدي واروى والثلاثي الكوكباني وعلي الاسدي وبلقيس احمد فتحي . تأملت في رائعة المحضار "سرّ حبي فيك غامض سرّ حبي ما انكشف" نعم هذا الحب كالقدر احتل ركنا من ذاكرة ابنة قطر ووجدت كم كان المحضار قارئاً للنفوس وهو يرصد الحالات عبر ترنيمة رائعة "باشيل حبك معي بلقيه زادي .. ومرافقي في السفر" هل كتب المحضار هذا الشطر من اجلها "ايش اوقعني في شباكك وانا عيني تشوف" لا يمكن الجزم بالأمر . عبر رحلات ورحلات تغوص اكثر وبشكل اعمق في كل شبر من بلاد بلقيس .. ترصد ، تحلل ، تتحدى الذات وفي كل خطوة أو لقطة تزداد ايماناً بمشروعها . انها صورة من الارادة والتحدي . انها صورة لوطن الشمس وطن التحدي . وما اروع هذا التحدي ولكن متى؟ عندما يفسح المجال امام المواهب القطرية . موضي الهاجري عين لاقطة .. تستعيد من الماضي .. صوراً وحكايات .. وتخلق مع الحضارة في بلاد اليمن السعيد وشائج حب عبر حضارة خلقت مع الانسانية توأمة روحية . وتؤكد في كل لقطة ان الحضارة قد بدأت من هناك . وأن جذور لغة الضاد . قد نبعت من هناك . وان التحدي ومواجهة الصعاب تراث يمني . [email protected]