15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإخوان واستحقاقات المرحلة

02 يناير 2014

بعد ثمانين سنة من النضال والسعي لحكم مصر، لم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين التي تنتشر في أكثر من سبعين دولة من الصمود في الحكم أكثر من سنة واحدة فقط، أياً كانت الأسباب التي أدت إلى فشلها أو إفشالها. إلا أنه من الحمق الظن أن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية وملاحقة عناصرها وتتبع مصادر تمويلها، بعد أن تم عزل الرئيس محمد مرسي الذي تولى الرئاسة في 30 يونيو 2012 سيكون نهاية لها أو نهاية الإسلام السياسي، كما يبشر بعض المتحمسين ممن لا يفقهون ألف باء الحركات الإسلامية، علماً أن الجماعة، ولأول مرة في تاريخها واجهت انتفاضة شعبية ضد حكمها، عكستها حالة الإحباط التي يعيشها المجتمع المصري من عجزه في حلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمّر بها البلاد. وهذا متغير جديد لم تتعرض له الجماعة من قبل، وبالتالي لا نعلم مدى الأثر الذي سيتركه على بنية الجماعة فكريا وتنظيمياً قبل سنة أو أكثر من الآن لما يحمله من تعقيدات وملابسات. ولمقاربة تداعيات تصنيف الإخوان منظمة إرهابية على واقع الجماعة ومستقبلها، نحتاج إلى التقاط الأنفاس قليلا للحديث عن أبرز الأخطاء التي وقع بها الإخوان خلال وجودهم في الحكم كي نرى حجم هذه الأخطاء وقدرتها في التأثير على الإخوان في الظروف الحالية.تجلت أول أخطاء الإخوان بعد ثورة 25 يناير أنهم سعوا جاهدين للوصول إلى سدة الرئاسة، وتمكنوا من حصد الأغلبية في كل من مجلسي الشعب والشورى، الأمر الذي أقلق القوى الثورية الأخرى.ثم في يوم 22 نوفمبر 2012 أصدر الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا يقضي بتحصين جميع قرارات الرئيس وإقالة النائب العام. الخطوة المذكورة أطلقت موجة معارضة شديدة تمثلت في نشأة جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمّت لأول مرة قيادات ثورية إلى جانب شخصيات تنتمي لنظام حسني مبارك. كما استقال عدد من أبرز مستشاري مرسي المستقيلين.تفاقمت الأمور أكثر مع إصرار الرئيس على إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد في 15 ديسمبر 2012 رغم أن جميع الكتل المدنية انسحبت من المداولات اعتراضا على هيمنة الإسلاميين في كتابة الدستور.القوى المدنية التي شاركت في ثورة 25 يناير، رأت أن الإخوان تراجعت شيئا فشيئا عن أهداف الثورة.ولعل من أخطاء الإخوان هو التحالف مع التيار السلفي بكافة فروعه في مواجهة التيارات المدنية داخل القوى الثورية، الأمر الذي أدى إلى فرز المجتمع المصري بين قوى دينية وأخرى مدنية وهو ما سهل على قوى الثورة المضادة أن تجذب إليها القوى الثورية المدنية لإسقاط الحكم الجديد.أخطاء الإخوان، وفعالية الدولة العميقة في عرقلة مشروعهم، أنتج أحداث 30 يونيو التي أعادت عقارب الساعة إلى حقبة مبارك بالنسبة للإخوان، فاستأنف النظام الجديد عملية استئصال التيار الإسلامي من الحياة السياسية بطريقة عنيفة لا تتماشى مع قيم الثورة التي خرج من أجلها المصريون في 25 يناير. وهذا ما تنبه له باكراً الدكتور محمد البرادعي الذي استقال من منصب نائب الرئيس بعد ساعات على فض الشرطة والجيش اعتصام الإسلاميين في ميدان رابعة العدوية بالقوة، والذي أدى إلى سقوط مئات القتلى بحسب وزارتي الصحة والداخلية المصريتين. وفي الوقت الذي انسحب به البرادعي من المشهد السياسي اعتراضا على عودة العنف والقمع، قامت بعض القوى الثورية تبرر للأجهزة الأمنية العودة للممارسات القديمة.لا شك أن الإخوان مستمرون في تظاهراتهم والحشد لها في كل مناسبة، ولا اعتقد أن تصنيفهم منظمة إرهابية سيغير الكثير من خططهم لإسقاط خارطة الطريق التي يقودها العسكر.وفي حال لم يطرأ جديد غير متوقع في المشهد السياسي المصري فإن الأرجح أن تشهد الجماعة بعض الطفرات الفكرية والتنظيمية المنقسمة على نفسها، وهي على مستويين، مستوى ينحو نحو الواقعية فكريا وسياسيا وربما يندمج في مسمى جديد أو يتأطر في حزب سياسي يسعى جاهدا لكسب الأرض في بضع سنين، وآخر سيجد نفسه يميل فكريا وسياسيا إلى التشدد والعنف لمواجهة العنف المضاد له. لكن أيهما سيكون بيده بيضة القبان داخل التنظيم؟ لا أحد يقدر على التنبؤ بمآلات الأمور سوى أن الحركة باتت الآن، وبفعل الظروف الموضوعية، أمام مخاض ولادة وشيكة قد تكون مخالفة لكل التوقعات.