31 أكتوبر 2025
تسجيلهي القمة الرابعة والثلاثون من حيث الترتيب منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، وربما كانت الأولى إذا ما قيست بحجم التغييرات الإقليمية والدولية، والتحديات الموضوعية والظرفية التي تعيشها الدول العربية، وفي القلب منها دول الخليج الست. من هذه المتغيرات الاتفاق الدولي المرحلي مع إيران بشأن برنامجها النووي، والذي إن قدّر له الاستمرار بعد سياسة حسن النوايا المتبادلة، فإنه سيكون قادراً على تغيير خارطة التحالفات القائمة في المنطقة منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى اليوم. العراق المتاخم لدول الخليج، والمُطل على جزء منه، علاقاته تتردى يوماً بعد يوم مع أغلب هذه الدول، وهو يتطابق تماماً مع الموقف الإيراني في جميع الملفات الإقليمية في الوقت الذي يختلف فيه مع رؤية أغلب الدول العربية لحل المشاكل القائمة في المنطقة، ولا ننسى التعديات التي طالت التراب السعودي انطلاقاً من العراق بعد ساعات من تعرض السفارة الإيرانية في لبنان إلى عملية تفجير، كان حلفاء إيران وسوريا في لبنان اتهموا المخابرات السعودية بالوقوف وراءها. خارطة الطريق اليمنية التي هندسها السعوديون لاحتواء الثورة توشك أن تسقط تحت ضربات القاعدة الموجهة ضد الجيش، فضلاً عن الاقتتال الطائفي في صعدة بين السلفيين والحوثيين الذين يتهمهم البعض بأنهم كتيبة عسكرية متقدمة لإيران عند الخاصرة الجنوبية للسعودية. مصر تكاد تخرج من المعادلة الإقليمية تماما حيث إن الانقلاب العسكري لم يؤد إلا لمزيد من الانقسام مع التردي في الأوضاع الأمنية ووسط استنزاف اقتصادي مستمر عبّر عنه الوزير منير فخر الدين بأن البلاد مشرفة على الإفلاس تماما لغياب الاستقرار السياسي. الأزمة السورية حاضرة بقوة في كل لقاء وقمّة، وتعقيداتها تزداد يوما بعد آخر مع اقتراب موعد جنيف 2 لبدء المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة وسط قلق خليجي واضح من وجود صفقة سرية بين اللاعبين الكبيرين (الولايات المتحدة وروسيا) على البقاء على بشار الأسد، وتوحيد الجهود معه لضرب التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش)، وهو ما يمثل تصفية حقيقية لمطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. داخليا، الخلافات الخليجية - الخليجية طافت على السطح بعد أن كان كتمانُها سمةً من سمات الدبلوماسية الخليجية المعهودة.. رفض عمان لمشروع الاتحاد أو توسيع درع الجزيرة كاد أن يفجر القمّة من الداخل بعد نجاح الكويت في تهدئة التوتر السعودي القطري على خلفية الموقف من مصر. القمة فعلت خيراً حين استبعدت حسم ملف الاتحاد الخليجي، بعد اعتراض سلطنة عمان. وقد نجحت في التوافق على إنشاء قيادة عسكرية موحدة وإنتربول، وهذا يعتبر قفزة نوعية في مسيرة المجلس، وهي تعكس، بلا شك، حجم الأخطار التي تستشعر بها دول الخليج على مصالحها الداخلية والخارجية. لا شك أن الظروف التي أدت إلى تشكيل مجلس التعاون الخليجي عام 1981 ارتبطت بالأوضاع الإقليمية والدولية التي كانت تعيشها المنطقة في حينها، ولا داعي للسرد طويلاً حول الإنجازات الخليجية التي تحققت منذ نشوء المجلس رغم الإخفاقات العديدة التي حالت دون اندماج الدول الست في كيان واحد اقتصاديا وسياسيا ًعلى غرار الاتحاد الأوروبي الذي قطع شوطاً طويلاً في حماية مصالح دوله التي تراجع نفوذها كثيراً بعد حقبة التحرر من الاستعمار. ثم إن دعوة الملك السعودي عبد الله في العام 2011 إخوانه في مجلس الخليجي للتحول من التعاون إلى الاتحاد عكست تطلعات الدولة الكبيرة لبناء كتلة سياسية واقتصادية واجتماعية متماسكة في الجزيرة العربية تكون قادرة على حماية نفسها من أي تهديد خارجي، وتحقيق مصالحها دون أن تكون مرتبطة بأي مظلة خارجية، سواء كانت دولية أو إقليمية، وهو ما ينبغي أن تسعى إليه دول الخليج عاجلاً، إذا ما أرادت لنفسها أن تعمر طويلاً، فالتحديات التي تواجه دول الخليج اليوم قد لا تنفع معها سياسة تأجيل الحلول على قاعدة أن المستقبل كفيل بتبريد الجبهات المستعرة.