16 سبتمبر 2025

تسجيل

الكويت..استحياء سياسي لرغبات غير معلنة

02 يناير 2011

بماذا يمكن تسمية ما يدور في دولة الكويت صاحبة التجربة الديمقراطية الأبرز والأقدم خليجيا وعربيا من تشاجبات وجدل حول منصب رئيس الوزراء والاستجوابات النيابية الموجهة للرئيس هناك؟ فهل هي مجرد محاولات للإطاحة بشخص الرئيس الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح من المنصب وفق الصيغة القانونية بعدم التعاون معه بتهم الفساد وتعطيل الدستور وهو عضو الأسرة الحاكمة أم أنها المحاولة الأقوى الآن للاستحواذ الشعبي على المنصب حسبما عبرت عن ذلك الحشود الشعبية التي خرجت من مجلس الأمة إلى وسط العاصمة الكويت بعد تحويل جلسة الثلاثاء الماضي إلى جلسة سرية مرددة تلك الحشود وبعلانية هذه الرغبة التي تضع الكويت دولة وحكومة وربما كل المنطقة الخليجية على محك سياسي جديد يجعل من تشكيل الحكومة مهمة مناطة بالشعب ممثلا في نوابه المنتخبين وفق النموذج الديمقراطي العالمي السائد أم أن هذه المرحلة من النضج السياسي والممارسة الشعبية تعد مبكرة على الكويت رغم سنوات عمر تجربتها النيابية الطويلة التي امتدت من العام 1963م حيث أسس مجلس الأمة في ذلك التاريخ. وباستقراء لملامح الأطروحات النيابية على المجلس وما يصاحبها من جدل ونقاشات في الديوانيات وصفحات الصحف وكذلك استجوابات النواب المقدمة للوزراء وحالات المواجهة والعنف الأخيرة بين بعض النيابيين والأمن فيلمس المتابع تغييب الجانب التنموي والإعماري الذي كانت الكويت صاحبة المبادرات الأولى فيه خليجيا فقد كانت الكويت سوق الخليج الأبرز والأكبر وواجهة الخليج أيضا في العالم بديمقراطيتها المبكرة وبعقولها الاستثمارية الواعية ولم يكن ذلك مصادفة أو خبطات حظ بل كان ورائه جهد رجال مخلصين حكومة وشعبا أتقنوا جميعا معنى المواطنة ومسؤولياتها وضرورة التعاون بينهم من أجلها مهما اختلفت الرؤى وأساليب العمل فقد كانت “ الكويت أولا “ كما في وقفة الجميع واتحادهم حول قيادتهم إبان أزمة الاحتلال العراقي إذ انطوى المجتمع الكويتي بكافة فئاته ومؤسساته تحت قيادته يحملون شعار “ الكويت حرة “ ويعملون لأجل الوطن وحريته فكان هذا هدفهم وهو ما تحقق فعلا بجهدهم والجهد الدولي الذي وقف مع الكويت وشعبها في تلك المحنة الصعبة. وحيث أشرت أعلاه إلى غياب الحس التنموي في غالبية أطروحات المجلس فالبلد لا تزال تعاني أزمات في توليد طاقة الكهرباء رغم إمكانيات الدولة الضخمة وحيث كنت في زيارة سابقة للكويت عام 2003م وكنت شغوفا بالمطالعة على الحراك النيابي هناك من خلال الصحف فقد قرأت أن وزير الكهرباء آنذاك طلال مبارك العيار قد تقدم بطلب لمجلس الأمة للموافقة على موازنة ضخمة لتمويل مشاريع الكهرباء محددا ملامح الأزمة وسلسلة الانقطاعات وقد قوبلت أطروحات الوزير العيار ببعض الامتعاض النيابي إلا أن الكهرباء انقطعت عن المجلس ذاته بعد أيام لاحقة لتلك الجلسة مما حدا بأحد النواب الحديث للصحف بأن الوزير العيار يريد أن يثبت للنواب حقيقة الأزمة فعلا والتي لا تزال مستمرة حسب تقارير صيف 2010م. والسؤال الملح قي ظل الظروف السياسية الحالية هو إلى متى تظل التجربة النيابية الكويتية حبيسة الآراء الجانية والأصوات العالية دون أن تمس حاجة الناس وتنميتهم وتطوير مجتمعهم في الكثير من الجوانب الضرورية والمهمة في يومياتهم ومستقبلهم؟ نحن نقول ذلك حبا في الكويت وفخرا بتجربتها الديمقراطية الحرة وحرصا على مستقبلها واستقرارها فالتجارب التجاذبية بين مجلس الأمة والحكومة وما نتج عنها وفقا لتاريخ المجلس من حل لدورات برلمانية سابقة أو تعديلات للحكومات حسب صلاحيات أمير البلاد وكممارسات دستورية لسموه لإطفاء حالات الاحتقان المشابهة لمشهد اليوم وقد لا تكون بحجمها ذات أسباب جوهرية أو مصيرية في الغالب سوى إنها تعطيل للمسيرة وهدر للجهد وشحن سلبي للأنفس لا يفضي لناتج ملموس. أما إن كان مضمون الحراك الحالي حسب وجهة رأي الحشود التي جابت المسافة بين مقر مجلس الأمة ووسط الكويت للدعوة إلى تعميم منصب رئيس الوزراء وفصله عن سلطات الأسرة الحاكمة فتلك حالة سيادية خاصة يجب أن تطرح بعقلانية وروية وفقا للدستور الكويتي ومصالح المرحلة وظروفها وانعكاسات ذلك على واقع المسير السياسي والتنموي في الكويت وأشير إلى أن أطروحات نواب المجلس المعارضين لم تشر صراحة إلى هذا الطرح الذي تلقفته الصحافة من أفواه الحشود رابطة بين حراك المجلس الساخن الذي يستهدف منصب رئيس الوزراء وطموح عمومية المنصب وهو ما يشير إلى حالة من الاستحياء السياسي أو قل الاحترام لسيادة الأسرة الحاكمة من النواب مما يجعل الحلول الأخرى ممكنة دون الخوض في سيادية منصب الرئيس حاليا على الأقل وهو ما يفسر بالحاجة إلى المزيد من الوقت لطرح مثل هذه الفكرة والاكتفاء بشكليات التغيير. عموما نتمنى للكويت الاستقرار والعودة إلى كويت الأمس بحضورها المميز عند كل الخليجيين وكل العالم كدولة مبادرات وتنمية وحراك هادئ عقلاني يدعم مسيرتها وهذه بالطبع مهمة النواب أقليتهم وأكثريتهم فالكويت للجميع[email protected]