10 سبتمبر 2025

تسجيل

من نشر الديمقراطية إلى مساندة الطغيان والاستبداد

01 ديسمبر 2018

تمثل عملية استهلاك وسائل الإعلام والعمل والمدرسة والنوم النشاطات الأربعة التي تسيطر على حياتنا. فالإعلام اليوم يأخذ وقتا كبيرا من حياتنا حيث يتعرض الفرد إلى ما يزيد على مائتي إعلان يوميا، كما يشاهد التلفزيون ويمكث أمامه أكثر من ست ساعات في اليوم، إلى جانب الاستماع للراديو في السيارة أو المطبخ وكذلك تصفح الجرائد والمجلات والإبحار في مواقع الانترنت التي يصعب إحصاؤها والتأكد من عددها حيث إنها تنمو وتتوسع في كل ساعة وفي كل يوم. وسائل الإعلام شئنا أم أبينا فرضت نفسها على حياتنا وتدخلت بدون إذن في حياة الفرد واستطاعت أن تغير العالم. فوسائل الإعلام اليوم تترك آثارها وتداعياتها في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للشعوب. كما أنها تُحدث ثورة في التنشئة الاجتماعية للشباب. فالطفل الأمريكي، على سبيل المثال، يكون قد شاهد حوالي 200,000 عملية قتل واغتصاب واعتداء في التلفزيون بإنهائه مرحلة التعليم الثانوي. وهذا ما سماه إغناسيو راموني رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» بـ «التلوث الإعلامي». وما يقال عن الطفل الأمريكي يمكن قوله على أطفال معظم دول العالم لأن الصناعة التلفزيونية وصناعة الأخبار والأفلام والرسوم المتحركة والمسلسلات والإعلانات وغيرها من الصناعات الثقافية تسيطر عليها حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات التي تفرض أجندتها وقيمها وأيديولوجياتها على العالم بأسره. وبرغم كل هذا ما زال الكثير من القضايا والمسائل الإعلامية لم تُدرس ولم تُؤخذ بالجدية الكافية وبالصرامة العلمية المطلوبة لتحديد كيفية تعامل الفرد مع هذه الوسائل ومدى الاستفادة منها وما هي خطورتها وآثارها السلبية وانعكاساتها على نفسية الفرد وشخصيته وتربيته وتنشئته الاجتماعية. يمثل موضوع المعوقات المهنية و التنظيمية و النقابية للصحافة العربية واحدا من أهم الإشكاليات المطروحة في الساحة العربية في أيامنا هذه، و لا سيما بعد التحديات الكبيرة التي فرضتها الثورة المعرفية و تكنولوجيا الاتصال و المعلوماتية، التي جعلت من الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى تؤدي وظيفة محورية واستراتيجية في أي مجتمع يسعى لتحقيق الديمقراطية و التنمية الشاملة و إشراك الفئات العريضة من الشعب في المساهمة في صناعة القرار. تحتل الصحافة في المجتمعات المعاصرة موقعا مركزيا في الاستراتيجيات و السياسات التي تهدف إلى تكييف المجتمع المعاصر مع المعطيات التي يعيشها العالم والمنظومة الدولية في الألفية الثالثة؛ فالصحافة مثلها مثل وسائل الاتصال الجماهيري الأخرى تؤدي دورا محوريا في التحول العلمي والمعرفي والتكنولوجي وفي عملية إعادة توزيع مراكز القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل هذه المجتمعات وفق المعطيات الموضوعية التي يعيشها العالم و التي تتطور وتتغير باستمرار. يزداد الدور الاستراتيجي للإعلام في المجتمع يوما بعد يوم نظرا للتطور التكنولوجي والمعرفي والاتصالي الذي يشهده العالم بوتيرة سريعة تفوق كل التوقعات. وعلى مر العصور أدى الإعلام أدوارا و قام بمهام كبيرة سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو الثقافي...الخ. و كان من نتيجة ذلك أن نجد الإعلام دائما موضع الرهانات والمساومات والابتزاز والاستغلال ومحاولات التحكم فيه والسيطرة عليه لتحقيق الأهداف العديدة والمختلفة للقوى الفاعلة في المجتمع. هذه الوضعية تجعل من الجهاز الإعلامي في أي مجتمع معّرضا للعديد من المشكلات المهنية والنقابية. وتزيد هذه المشاكل وتكثر حسب الوضع القانوني والتشريعي ودرجة ممارسة الديمقراطية والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء. هل أدت الصحافة العربية خلال العقود الماضية واجبها إزاء الشعوب العربية؟ وهل أسهمت في دورها المؤسساتي الاجتماعي في التوعية والتثقيف وتفعيل التنمية الشاملة في المجتمع وتطبيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة؟ وهل استطاعت أن تكون قوة مضادة تراقب السلطات الثلاث بكل مهنية و احترافية ومهارة من أجل خدمة الصالح العام و الفئات العريضة في المجتمع؟ أم أن الموضوع عكس ذلك تماما؛ حيث إن الصحافة العربية لم تخرج عن جناح السلطة وبقيت خادمة لها منذ أن عرفت تلك الدول العربية حريتها واستقلالها وبذلك أصبحت الناطق الرسمي للحاكم سواء كانت عامة أم خاصة، أداة للتعبئة والتجنيد وأداة للضبط الاجتماعي وللمحافظة على الوضع الراهن وجهاز للتحكم ولتبرير سلوك السلطة وتثبيت شرعيتها وبقائها في الحكم. تنظر السلطة في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية إلى وسائل الإعلام باعتبارها أداة لتثبيت شرعيتها و بسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. من جهة أخرى نلاحظ أن السلطة في الدول العربية ما زالت عاجزة عن بناء نظام مؤسساتي مستقر ولم تستطع أن تحقق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع، وكانت النتيجة أن فشلت في بناء جهاز إعلامي فعال يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية. وهكذا سادت النظرة الضّيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة تستعمل في آليات و عمليات الحكم و السيطرة. فالمؤسسة الإعلامية في الوطن العربي ما زالت لم ترق إلى مستوى المؤسسة الاجتماعية التي بإمكانها أن تقف الند للند للسلطة وتؤدي دورها على أحسن وجه في المجتمع. كما نلاحظ أن السلطة في الوطن العربي أخطأت في تقديرها ونظرتها للإعلام، فبدلا من أن تستعمله لخدمة مصلحة المجتمع في جميع مستوياته سخرته لخدمتها هي فقط، وهذا ما أدى وما زال يؤدي إلى نتائج عكسية قد لا يستفيد منها أحد في المجتمع. بالمقابل يؤدي خطاب التضليل والتزييف والتعتيم والتمجيد على المدى الطويل إلى قطيعة تامة بين الشارع والسلطة وإلى انعدام المصداقية والثقة. على الرغم من وجود الاختلال والتباين الجزئي بين نظام إعلامي عربي وآخر، تبقى الهموم والمشاكل والمضايقات التي تعاني منها الصحافة في مختلف الأقطار العربية واحدة و متشابهة. وهنا يجب التأكيد على أنه من المستحيل شرح وتفسير وفهم هموم و مشاكل و معوقات الصحافة العربية بعيدا عن إطار المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية؛ لأن الصحافة العربية ما هي إلا جزء أو نظام فرعي من النظام الكلي حيث تكون في الأخير واحدة من إفرازاته ومنتجاته. فالفعل الإعلامي هو جزء عضوي من الفعل الديمقراطي يؤثر فيه ويتأثر به ممارسة وفعلا وكذلك سياقا ومضمونا. فالصحافة بإمكانها أن تعمل على نشر الديمقراطية وتجسيدها في أرض الواقع أو قد تفعل العكس تماما من حيث إعاقتها للعمل الديمقراطي ومساندة الفعل الاستبدادي الديكتاتوري.