29 أكتوبر 2025
تسجيلكشفت مقابلة الصحفي الأمريكي الأشهر توماس فريدمان مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والتي نُشرت بصحفية نيويورك تايمز قبل أكثر من أسبوع، عن طريقة تفكير وليّ العهد السعودي وعن مدى استعداده لإحداث التغيير الذي يجعل منه شخصا مرغوبًا في الغرب الذي بات -بدلًا عن الشعوب- مصدرًا للشرعية لبعض الأنظمة. يعتقد محمد بن سلمان أن إيران تشكل التهديد الأكبر للاستقرار في الشرق الأوسط، وعليه فهو يحاول أن يبني تحالفًا من دول سُنيّة لمواجهة التمدد الإيراني. وبعيدًا عن حقيقة أن السياسة السعودية التي يقودها تيار "الحزم" تشكل تهديدًا ملموسًا لبعض الدول العربية، فيمكن القول إن محاولة السعودية تشكيل هذا التحالف وقيادته لا ينتظر أن يكتب لها النجاح لأسباب موضوعية. فأولا، الدولة التي تسعى لقيادة تحالف ما ينبغي أن تكون قادرة على حماية هذه الدول الأعضاء. فعندما تم الاتفاق على تأسيس حلف شمال الأطلسي (النيتو) عام ١٩٤٩ كانت الولايات المتحدة آنذاك دولة لها قبول غربي وأسهمت باقتدار في دحر النازية وردع الشيوعية، بمعنى أن الولايات المتحدة عملت على حماية أعضاء الحلف أمام الأخطار المشتركة، فبعد دحر النازية والفاشية اتفقت الدول الغربية على أن مصدر التهديد الرئيسي هو الشيوعية والستالينية ولا بد من احتوائهما. والحال أن الاتحاد السوفييتي عندما كان في أوج قوته لم يمتلك ترف التفكير في التحرش بأي دولة من دول حلف الناتو لأنه كان يعرف جيدا أن الولايات المتحدة لديها الإمكانات والرغبة في منافسة وردع الاتحاد السوفييتي. فشرط وجود دولة قادرة على حماية الدول الأعضاء المشكّلة للحلف هو مفقود في الحالة السعودية التي خلقت انطباعًا يترسخ يوما بعد يوم بأنها بالكاد تملك الإمكانات للدفاع عن أراضيها! وحتى تقبل الدول السُنيّة الأخرى القبول بإخضاع سياساتها الخارجية وفقًا للأولويات السعودية، ينبغي أن تقتنع بأن الدول المُهددة للأمن الإقليمي مقتنعة بأن الرياض قادرة على وراغبة في ردعها. والحق أن هذا الشرط غائب أيضا. والأخطر أن الجانب الأمريكي الذي يعلق محمد بن سلمان الآمال عليه لا ينظر له بأنه الرجل الذي يملك رؤية متوازنة، فقد حذرت مجلة فورين أفيرز (أشهر وأهم مجلة سياسية في العالم) من سياسات السعودية وطالبت بلجمها لكونها تشكل تهديدًا مباشرًا على الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. وللأسف باتت إيران أكثر عقلانية في التعامل مع أحداث المنطقة، وباتت لاعبًا أساسيًا لا يمكن تجاهله في مختلف ملفات الإقليم الملتهبة. وثانيا، ستواجه الرياض في قادم الأيام معضلة تبرير تحالفها مع تل أبيب في وقت لا يزال آخر احتلال كولنيالي في العالم جاثما على صدور الفلسطينيين! فهل يبرر الحصول على خدمات إسرائيل في مواجهة إيران التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني؟ صحيح أن السياسة تحركها المصالح وليس المبادئ، لكن هذا أيضا ينطبق على جميع الدول، وإسرائيل بهذا المعنى لن تقدم أي خدمة للسعودية دون أن تطلب الجائزة الكبرى، وهنا الحديث يتعلق عن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن هذه المرة على حساب الفلسطينيين وبموافقة وضغط سعوديَّين. طبعا، لا يمكن الدفاع عن التوسع الإيراني في الإقليم، لكن على من يريد أن يواجه إيران ألا يهدد جيرانه على سبيل المثال وألا يتحالف مع إسرائيل التي تعادي العرب جهارا نهارا، وأن يمتلك القدرة على التصدي. وبالمحصلة لا يمكن لتيار الحزم أن يقود السعودية إلى انتصارات على إيران إلا إذا أعاد النظر بمجمل سياساته الإقليمية والبدء بحوارات عربية معقمة بعيدا عن لغة الإملاءات والاستعلاء والعمل على التوقف عن استمطار الخصوم العرب.