11 سبتمبر 2025
تسجيلفي منتصف القرن الماضي تجاوزت الصحافة الأمريكية حدودها، مما أدى بالساهرين على تطبيق التعديل الأول الأمريكي إلى إنشاء لجنة "هوتشينس" التي نظرت في التجاوزات والممارسات التي خرجت عن العرف والتقاليد العامة لأخلاقيات الصحافة. ونتيجة لتقرير اللجنة ظهر مفهوم جديد في قاموس الصحافة، وهو مصطلح المسؤولية الاجتماعية للصحافة وكان هذا سنة 1947، وبعد خمسين سنة بالضبط وجدت الصحافة البريطانية نفسها أمام أزمة أخلاقية حادة أدت إلى نقاش جاد وصريح بين محترفي المهنة وبين النقاد والمشرفين على الصحف والمجلات، وكذلك المختصين في شؤون قانون الصحافة وأخلاقياتها. والأمر هذه المرة كان خطير، حيث إنه مسّ الأميرة ديانا والعائلة المالكة. وآخر ضجة عرفها المجتمع البريطاني هي ظهور كتاب “الملكيون” للكاتبة كيتي كيلي، حيث جاء ليكمل ما تركته صحافة الإثارة وليكشف للعام والخاص عورة العائلة المالكة بكاملها والأميرة ديانا على وجه الخصوص. تتميز الصحافة الغربية وعلى وجه الخصوص الصحافة الجادة بالتنقيب والاستقصاء والتحري Investigative Reporting لتلبية فضول القراء لمعرفة حيثيات الأمور وما يجري في المجتمع من تجاوزات وتناقضات، وكذلك لمراقبة رجال السياسة وأصحاب السلطة والنفوذ والجاه والمال على التجاوزات واستغلال مناصبهم ونفوذهم لتحقيق أهدافهم الخاصة على حساب المصلحة العامة. من حيث المبدأ تظهر الأهداف نبيلة وشريفة، حيث استطاعت الصحافة الغربية أن توظف هذه الأهداف النبيلة في أرض الواقع. والأمثلة كثيرة على ذلك مثل استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وانسحاب "غاري هارت" من الانتخابات الأمريكية، وهذا غداة كشفه أمام الرأي العام الأمريكي أنه قضى عطلة نهاية الأسبوع مع عشيقته "دونا رايس"، والأمثلة كثيرة ومتشعبة. وبطبيعة الحال ومن خلال هذين المثالين نلاحظ أن الصحافة الأمريكية خدمت المصلحة الوطنية قبل كل شيء من وراء هاتين القضيتين. فمن يخون زوجته بإمكانه أن يخون الأمة بكاملها، ومن يتجسس على غيره فإنه لا يصلح لرئاسة الدولة. فنلاحظ هنا أن حرية الصحافة و ضرورة توفير المعلومة للرأي العام ومراقبة المجتمع تمثل أحد نقاط القوة في المجتمعات التي تؤمن بالديمقراطية وبحرية الصحافة كمستلزم رئيسي لهذه الديمقراطية.السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يحدث إذا تلاعبنا بهذه المبادئ وهذه الحرية لتحقيق أهداف ليست هي بالضرورة أهداف الغالبية العظمى من المجتمع وليست هي الأهداف النبيلة للصحافة والإعلام. فالإشكال المطروح هنا هو أن الصحافة الصفراء وصحافة الإثارة استغلت مركزها في المجتمع ونفوذها لتحقيق أهدافها بالدرجة الأولى، وهذه الأهداف تتمثل في المبيعات وبذلك الإعلانات وبذلك الربح. فتدخل صحافة الإثارة والتابلويد في خصوصية المشاهير ورجال السياسة والأعمال أثار ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والسياسية البريطانية بصفة خاصة، والغربية بصفة عامة. (يتبع)