15 سبتمبر 2025
تسجيليجوز للآراء المحلية المتحفظة أن تزداد تخوفاً جراء الاتفاق الغربي الإيراني حول المستقبل النووي لطهران. فثمة مؤشر يؤكد أن التوافق السهل في هذا الملف وما يحسب من تنازلات إيرانية لم تكن لتتحقق لولا جملة اتفاقات جرت تحت الطاولة بين أطراف الاتفاق وربما على حساب العرب وقضاياهم المفتوحة. عموماً اتفاق مثل هذا كان يجب أن يتم بأي صورة من الصور لتجنيب المنطقة ويلات حروب وتداعيات نووية لا تحسب عقباها؛ إنما الشك المكثف يدور حول الحيثيات والصفقات التي مهدت لهذا الاتفاق؛ فهل إيران في شكل حكومتها الجديدة قدمت تنازلاً بارداً عن برنامجها النووي الضخم والاستراتيجي مقابل معطيات لمستقبلها في المنطقة؟ وهل التطمينات الغربية لدول الخليج تحمل درجة من الواقعية وتضمن سلامة دول المنطقة ومستقبل كياناتها خاصة وأن هناك مدا إيرانيا مكثفا وحضورا مؤثرا لإيران في أكثر من موقع يرجعه البعض إلى تحول جذري في المزاجية الغربية وتحالفاتها في المنطقة بعد الحادي عشر من سبتمبر. أعتقد أن الفكر الغربي لا يلغي بأي حال من الأحوال الحضور العربي من حساباته بهذه الدراماتيكية السريعة خاصة بعد المخاض الصعب للربيع العربي، فاستهداف قلاع العرب ومراكز مؤسساتهم الفكرية العريقة لا يمكن تجاوزه بسهولة تحسباً لما يولده هكذا تحول في خلخلة الأمن العالمي عموماً، كما أن إيران مهما صفا الود بينها وبين الغرب لن تكون ذلك الشريك الأوحد والموثوق به دائما في المنطقة، وربما في الرسالة المبلغة لدول الخليج والعرب عموماً ما يحدد محاور المسار القادم وتوازناته ويمكن استقراء ذلك في الاجتماع القيادي السعودي الكويتي القطري في الرياض نهاية الأسبوع الماضي قبيل إعلان اتفاق جنيف، كذلك ما تضمنه بيان مجلس الوزراء السعودي حول هذا الاتفاق والذي أشار إلى ضرورة صدق النوايا لدى أطراف الاتفاق، وفي اتصال الرئيس الأمريكي أوباما بخادم الحرمين الشريفين والذي لا يخلو عن حديث موسع وتبريرات عملية في هذا الجانب، وخلاصة القول إن الدول الخليجية وفي طليعتها السعودية على اطلاع بحيثيات الاتفاق وإن أبدت تحفظاً حول بعض بنوده، ويبقى فهم الشارع المحلي لمضمون ذلك الاتفاق ومردوه على المنطقة، فالشارع يشخص المسألة بأنه تجاوزاً لحضور الجانب الخليجي واستقراره وخشية من أن تكون بعض دول الخليج ومستقبلها ضمن صفقة الاتفاق عطفاً على المزاجية الغربية المتقاربة مع إيران وتوسع دورها المؤثر في المنطقة وكذلك الهزال الواضح في المواقف الأمريكية في المنطقة ربما تبعاً لحالتها الاقتصادية وتنامي أدوار عالمية أخرى مثل روسيا والصين، فالشارع المحلي محبط ومتشائم حيال الموقف ويبرر خشيته بالسلوك الإيراني غير المنضبط تاريخياً في المنطقة وفقاً لأيدلوجية متناقضة تتشبث بها إيران منذ قيام ثورتها في العام 1979م واهتمامها المستمر بقلب موازين المنطقة والشكل الأيدلوجي في مجتمعاتها وفقا للرؤية الإيرانية للإسلام ويبرر المتمسكون بهذا الرأي بالحضور الإيراني في العراق وأفغانستان والمحاولات في البحرين وسوريا وغيرها. بقي أن أقول إن غياب الرؤية الأيدلوجية الخليجية والعربية عموماً هو سبب في نشأة المشهد الحالي خاصة أن دول المنطقة ترتكن غالباً على سياسة الثقة والتحالفات وتبتعد عن البناء الضمني للذات ومكوناته المؤثرة وقد تكون دولنا انشغلت كثيراً بالتنمية وبمشاكل الديمقراطية عن تأسيس البنى الفاعلة والتوافق الشمولي في بناء سلوكيات مجتمعاتها وهو ما ولد شعورا انهزاميا أسهم في تكون التطرف والخروج عن عباءة العمل الرسمي والمواجهة الفردية عند البعض وهو ما أفرز الحادي عشر من سبتمبر وتبعاته ومنها تقليص الثقة في دولنا ومجتمعاتنا وحيثيات فكرها والبحث عن حليف مخيف لنا وجاهز لتقديم تنازلات للغرب على حسابنا. مرة أخرى أعتقد في هذه المرحلة أننا بحاجة إلى تمتين علاقاتنا مع مؤسساتنا الحاكمة والعمل معها في مشروع واحد يضمن العقلانية والفهم الواسع للظروف فالمسألة لا تحتمل التحديات والفرقة والتناحر على مسائل ليست بذات القيمة أمام وجودنا عموما أو عدمه.