14 سبتمبر 2025
تسجيلأدى الشعب التونسي واجبه الوطني في الإقبال على صناديق الاقتراع لاختيار برلمان جديد لخمس سنوات قادمة في جولة من جولتين متتاليتين حيث ستكون الثانية في الثالث والعشرين من الشهر الجاري لاختيار رئيس للبلاد. الإقبال كان جيدا نسبيا بعد أن تعدى عتبة الستين بالمائة من المسجلين على قوائم المقترعين.. لم تكن النتائج مفاجئة لأغلب المراقبين وحتى الساسة نفسها، وكانت حركة النهضة تقول صراحة إنها ستحقق ما نسبته ثلاثين بالمائة من الأصوات على الأقل، وتقديراتها كانت واقعية حيث نالت ما يقرب من32 بالمائة في حين كانت حظوظ حركة نداء تونس متقدمة أكثر مما كان متوقعاً حتى بالنسبة للحزب.هلل الكثيرون لتراجع حركة النهضة ولتقدم نداء تونس، ولم يكن يعنيهم أبداً التداول السلمي للسلطة بقدر رغبتهم بسحق جميع تيارات الإسلام السياسي أيا كانت طروحاتها، ويغيب عن هؤلاء عن قصد أو غير قصد أن حركة النهضة هي الوحيدة من بين أعضاء المجلس التأسيسي التي وقفت ضد التصويت على قانون العزل السياسي ورفضت إقصاء أي طرف سياسي أو نزع عنه حقه الوطني في الترشح لأي منصب سياسي، وبفعل هذا عاد كوادر عديدة من المنظومة القديمة إلى المشهد السياسي عبر حزب نداء تونس، ولم تظهر حركة النهضة الندم بتاتا، بل ترى أن تونس تحتاج إلى جميع أبنائها، وتصريحات مؤسس الحركة الشيخ راشد الغنوشي خلال الحملة الانتخابية للبرلمان كانت جميعها تؤكد على هذا المنحى.ما يمكن قوله إن تونس اليوم قدمت نموذجا مختلفا عما جرى ويجري في عدد من الدول العربية الأخرى التي تعيش ولادات قيسرية متتالية، والفائز في الانتخابات التونسية، هي تونس المستقبل، تونس الديمقراطية، تونس التعددية السياسية.. ومن خلال متابعتي الحثيثة للمشهد التونسي بحكم وجودي منذ أكثر من شهر في تونس ولقائي بعدد من قادة الأحزاب والمراقبين خلصت إلى أن نداء تونس الفائز في الانتخابات لا يمثل المنظومة القديمة وإن ضم بين جناحيه بعض أقطابها، وأن أغلب من صوت له كان بدافع الغضب من النهضة أو القلق على الأمن والاقتصاد.وخلافا للانطباع العام بأن حركة النهضة خسرت الانتخابات، فإني أرى أن النهضة فازت حين أثبتت بالأرقام التي حصلتها أن الإسلام الحركي حاضر بقوة مهما كان التآمر والتشويه. والفوز ليس بالضرورة أرقاما حسابيا كما يحاول بعض السطحيين في قراءة النتائج.. الأرقام ليست إلا مؤشرات علمية لحقيقة أبعد وأعمق.. وبهذا تكون النهضة أكدت حقيقة أنها قطب سياسي واجتماعي ثابت في الحياة السياسية التونسية.وإذا كان الشعب عاقب طرفي الترويكا بقسوة إلا أنه كان رحيما مع النهضة التي حلت بالمرتبة الثانية، وهذا يعكس ما أظنه رغبة قطاعات كبيرة من الشعب التونسي بمساعدة النهضة على القيام على رجليها بعد التجربة المريرة في الحكم ومنحها فرصة أخرى.وعلى الأرجح أن الإرهاب في تونس تلقى الضربة القاضية بعد خيار الشعب بالاحتكام للخيار الديمقراطي القائم على تداول السلطة والصبر على البرامج المطروحة حتى تحقق أهدافها. إلا أن المقلق في المشهد التونسي ما بعد الانتخابات هو الثنائية القطبية الجديدة، وهذا قد يكون مقلقا في الحالات العربية خلافا لبريطانيا أو الولايات المتحدة وغيرها من الدول الراسخة في الديمقراطية، ومكمن الخوف هنا من أن تبقى المحاصصة السياسية قائمة أو تعود بشكل آخر، البعض يستبعد أي تحالف بين النهضة ونداء تونس مستشهداً بقول الباجي قائد السبسي: "حزب نداء تونس وحركة النهضة خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً إلا ما شاء الله.. وإذا التقيا يوما فلا حول ولا قوة إلا بالله".. العبارة تعكس حنكة سياسية لقائلها فهو رجل عرقته التجارب السياسية، ولا غرابة على شخص مثل السبسي إلا أن الرجل أجاب وكأنه لم يجب على السؤال الأكثر إلحاحا اليوم.. هل بالإمكان أن يتحالف نداء تونس مع النهضة؟بعد إعلان النتائج وفوز نداء تونس بفارق مريح على النهضة.. خرج الشيخ راشد الغنوشي وبعد تهنئته للسبسي بفوز حزبه يقول: "لا عودة للحزب الواحد الذي يتحكم في كل شيء ولن نسمح في عودته" فهل النهضة قلقة من ينفرد نداء تونس بالحياة السياسية؟ التكهنات كثيرة والرهانات عديدة إلا أن الثابت في المشهد هي رغبة الجميع بالنهوض بالبلاد وفتح صفحة جديدة مشرقة لصالح جميع التونسيين.